في سائر الأماكن، وكانت الحاجة إلى بيان اللسان حاجة دائمة واكدة، وراهنة ثابتة، وكانت الحاجة إلى بيان القلم أمرا يكون في الغيبة وعند النائبة، إلّا ما خصّت به الدواوين؛ فإنّ لسان القلم هناك أبسط، وأثره أعمّ، فلذلك قدّموا اللسان على القلم.
٢٥-[فضل اليد]
فاللسان الآن إنّما هو في منافع اليد والمرافق التي فيها، والحاجات التي تبلغها.
فمن ذلك حظّها وقسطها من منافع الإشارة، ثم نصيبها في تقويم القلم، ثم حظّها في التصوير، ثم حظّها في الصناعات، ثم حظّها في العقد، ثم حظّها في الدّفع عن النفس، ثمّ حظّها في إيصال الطعام والشراب إلى الفم، ثم التوضّؤ والامتساح، ثم انتقاد الدنانير والدراهم ولبس الثّياب، وفي الدفع عن النفس، وأصناف الرّمي، وأصناف الضرب، وأصناف الطعن، ثم النّقر بالعود وتحريك الوتر؛ ولولا ذلك لبطل الضرب كلّه أو عامّته. وكيف لا يكون ذلك كذلك ولها ضرب الطبل والدّفّ، وتحريك الصفّاقتين «١» ، وتحريك مخارق خروق المزامير، وما في ذلك من الإطلاق والحبس. ولو لم يكن في اليد إلّا إمساك العنان والزّمام والخطام، لكان من أعظم الحظوظ.
وقد اضطربوا في الحكم بين العقد والإشارة، ولولا أنّ مغزانا في هذا الكتاب سوى هذا الباب، لقد كان هذا ممّا أحبّ أن يعرفه إخواننا وخلطاؤنا. فلا ينبغي لنا أيضا أن نأخذ في هذا الباب من الكلام، إلّا بعد الفراغ ممّا هو أولى بنا منه، إذ كنت لم تنازعني، ولم تعب كتبي، من طريق فضل ما بين العقد والإشارة، ولا في تمييز ما بين اللفظ وبينهما، وإنّما قصدنا بكلامنا إلى الإخبار عن فضيلة الكتاب.
٢٦-[فضل الكتاب]
والكتاب هو الذي يؤدّي إلى الناس كتب الدين، وحساب الدواوين مع خفّة نقله، وصغر حجمه؛ صامت ما أسكتّه، وبليغ ما استنطقته. ومن لك بمسامر لا يبتديك في حال شغلك، ويدعوك في أوقات نشاطك، ولا يحوجك إلى التجمّل له والتذمّم منه. ومن لك بزائر إن شئت جعل زيارته غبّا، ووروده خمسا، وإن شئت لزمك لزوم ظلّك، وكان منك مكان بعضك.