ثمّ رجع بنا القول إلى مفاخر الكلب، ونبدأ بكلّ ما أشبه فيه الكلب الأسود والإنسان؛ وبشيء من صفات العظال.
قال صاحب المنطق (في كتابه الذي يقال له الحيوان، في موضع ذكر فيه الأسد) قال: إذا ضرب الأسد بمخالبه، رأيت موضع آثار مخالبه في أقدار شرط الحجّام أو أزيد قليلا، إلّا أنّه من داخل أوسع خرزا، كأنّ الجلد ينضمّ على سم مخالبه، فيأكل ما هنالك. فأمّا عضّته فإنّ دواءها دواء عضّة الكلب.
قال: وممّا أشبه فيه الكلب الأسد انطباق أسنانه. وممّا أشبه فيه الكلب الأسد النّهم، فإنّ الأسد يأكل أكلا شديدا، ويمضغ مضغا متداركا، ويبتلع البضع «١» الكبار، من حاقّ الرغبة «٢» ومن الحرص، وكالذي يخاف الفوت. ولما نازع السّنّور من شبهه صار إذا ألقيت له قطعة لحم فإمّا أن يحملها أو يأكلها حيث لا تراه؛ وإمّا أن يأكلها وهو يكثر التلفّت، وإن لم يكن بحضرته سنّور ينازعه، والكلب يعضّ على العظم ليرضّه، فإن مانعه شيء وكان مما يسيغه، ابتلعه وهو واثق بأنّه يستمريه ويسيغه.
والنّهم يعرض للحيّات، والحيّة لا تمضغ، وإنما تبتلع ذوات الرّاسات «٣» ، وهي غير ذوات الأنياب، فإنّها تمضغ المضغة والمضغتين وإن ابتلعت شيئا فيه عظم أتت عودا شاخصا فالتوت عليه، فحطمت العظم، والحيّة قويّة جدا.
قال: والأسد وإن كان ممّا لا يفارق الغياض ولا يفارق الماء فإنّه قليل الشرب للماء، وليس يلقى رجعه إلّا مرة في اليوم، وربّما كان في اليومين والثلاثة. ورجعه يابس شديد اليبس متعلّق، شبيه برجيع الكلب. ويشبهه أيضا من جهة أخرى وذلك أنّهما جميعا إذا بالا شغرا «٤» .
والكلب من أسماء الأسد، لقرابة ما بينه وبين الكلب.
والكلب يشبه الخنزير، فإنّ الخنزير يسمن في أسبوع، وإن جاع أيّاما ثم شبع شبعة تبيّن ذلك تبيّنا ظاهرا. ألا تراه ينزع إلى محاسن الحيوان، ويشبه أشراف السباع وكرائم البهائم؟!