للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٧٤٣-[حديث أفليمون عن نفع الحمام]

وقال أفليمون صاحب الفراسة، لصاحبه: وأنا محدّثك عن نفع الحمام بحديث يزيدك رغبة فيها: وذلك أنّ ملكين طلب أحدهما ملك صاحبه، وكان المطلوب أكثر مالا وأقلّ رجالا، وأخصب بلادا، وكانت بينهما مسافة من الأرض بعيدة، فلما بلغه ذلك دعا خاصّته فشاورهم في أمره وشكا إليهم خوفه على ملكه، فقال له بعضهم: دامت لك أيّها الملك السلامة، ووقيت المكروه! إنّ الذي تاقت له نفسك قد يحتال له باليسير من الطمع، وليس من شأن العاقل التّغرير، وليس بعد المناجزة بقيّة، والمناجز لا يدري لمن تكون الغلبة، والتمسّك بالثقة خير من الإقدام على الغرر.

وقال بعضهم: دام لك العزّ، ومدّ لك في البقاء! ليس في الذّلّ درك ولا في الرّضا بالضيم بقيّة، فالرّأي اتخاذ الحصون وإذكاء العيون، والاستعداد للقتال؛ فإنّ الموت في عزّ خير من الحياة في ذلّ! وقال بعضهم: وقيت وكفيت، وأعطيت فضل المزيد! الرّأي طلب المصاهرة له والخطبة إليه؛ فإنّ الصهر سبب ألفة تقع به الحرمة، وتثبت به المودّة، ويحلّ به صاحبه المحلّ الأدنى. ومن حلّ من صاحبه هذا المحلّ لم يخلّه مما عراه، ولم يمتنع من مناوأة من ناواه. فالتمس خلطته؛ فإنّه ليس بعد الخلطة عداوة، ولا مع الشّركة مباينة! فقال لهم الملك: كلّ قد أشار برأي، ولكلّ مدّة، وأنا ناظر في قولكم، وبالله العصمة، وبشكره تتمّ النعمة. وأظهر الخطبة إلى الملك الذي فوقه، وأرسل رسلا، وأهدى هدايا، وأمرهم بمصانعة جميع من يصل إليه، ودسّ رجالا من ثقاته، وأمرهم باتّخاذ الحمام في بلاده وتوطينهنّ، واتخذ أيضا عند نفسه مثلهنّ، فرفّعهن من غاية إلى غاية. فجعل هؤلاء يرسلون من بلاد صاحبهم، وجعل من عند الملك يرسلون من بلاد الملك، وأمرهم بمكاتبته بخبر كلّ يوم، وتعليق الكتب في أصول أجنحة الحمام. فصار لا يخفى عليه شيء من أمره. وأطمعه الملك في التزويج واستفرده [١] وطاوله، وتابع بين الهدايا، ودسّ لحرسه رجالا يلاطفونهم حتى صاروا يبيتون بأبوابه معهم. فلمّا كتب أصحابه إليه بغرّتهم وصل الخبر إليه من يومه، فسار إليه في جند


[١] أفرده: عزله، وإليه رسولا: جهزه «القاموس: فرد» .

<<  <  ج: ص:  >  >>