ولا تدبير معاش، ولا سياسة عامة، ولا ترتيب خاصّة. فأيّ كتاب أجهل، وأيّ تدبير أفسد من كتاب يوجب على الناس الإطاعة، والبخوع «١» بالديانة، لا على جهة الاستبصار والمحبّة، وليس فيه صلاح معاش ولا تصحيح دين!؟ والناس لا يحبّون إلا دينا أو دنيا: فأمّا الدّنيا فإقامة سوقها وإحضار نفعها. وأما الدّين فأقلّ ما يطمع في استجابة العامة، واستمالة الخاصّة، أن يصوّر في صورة مغلّطة، ويموّه تمويه الدّينار البهرج، والدرهم الزائف الذي لا يغلط فيه الكثير، ويعرف حقيقته القليل. فليس إنفاقهم عليها من حيث ظننت. وكلّ دين يكون أظهر اختلافا وأكثر فسادا، يحتاج من الترقيع والتمويه، ومن الاحتشاد له والتغليظ فيه إلى أكثر. وقد علمنا أنّ النصرانيّة أشدّ انتشارا من اليهوديّة تعبدا، فعلى حسب ذلك يكون تزيّدهم في توكيده، واحتفالهم في إظهار تعليمه.
٣٢-[فضل التعلم]
وقال بعضهم: كنت عند بعض العلماء، فكنت أكتب عنه بعضا وأدع بعضا، فقال لي: اكتب كلّ ما تسمع، فإن أخسّ ما تسمع خير من مكانه أبيض.
وقال الخليل بن أحمد: تكثّر من العلم لتعرف، وتقلّل منه لتحفظ.
وقال أبو إسحاق: القليل والكثير للكتب، والقليل وحده للصدر.
وأنشد قول ابن يسير «٢» : [من المتقارب]
أما لو أعي كلّ ما أسمع ... وأحفظ من ذاك ما أجمع
ولم أستفد غير ما قد جمع ... ت لقيل هو العالم المصقع
ولكنّ نفسي إلى كلّ نو ... ع من العلم تسمعه تنزع
فلا أنا أحفظ ما قد جمع ... ت ولا أنا من جمعه أشبع
وأحصر بالعيّ في مجلسي ... وعلمي في الكتب مستودع
فمن يك في علمه هكذا ... يكن دهره القهقرى يرجع
إذا لم تكن حافظا واعيا ... فجمعك للكتب لا ينفع
٣٣-[التخصص بضروب من العلم]
وقال أبو إسحاق: كلّف ابن يسير الكتب ما ليس عليها. إن الكتب لا تحيي