ثم من بعد هذا كلّه، سألت عنها بعض من لقيته. فقال لي: التمسها عند تلك النار. فأتيتهم فإذا همّ قد نتجوها حوارا [١] ، وقد أوقدوا لها نارا فأخذت بخطامها وانصرفت.
٨٦٧-[عدم إيمان النّظّام بالطيرة]
وأخبرني أبو إسحاق إبراهيم بن سيّار النّظّام قال: جعت حتّى أكلت الطين، وما صرت إلى ذلك حتّى قلبت قلبي أتذّكر: هل بها رجل أصيب عنده غداء أو عشاء، قما قدرت عليه، وكان علي جبّة وقميصان، فنزعت القميص الأسفل فبعته بدريهمات، وقصدت إلى فرضة الأهواز، أريد قصبة الأهواز، وما أعرف بها أحدا. وما كان ذلك إلّا شيئا أخرجه الضّجر وبعض التعرّض. فوافيت الفرضة فلم أصب فيها سفينة، فتطيّرت من ذلك. ثم إني رأيت سفينة في صدرها خرق وهشم فتطيرت من ذلك أيضا، وإذا فيها حمولة، فقلت للملاح: تحملني؟ قال: نعم. قلت: ما اسمك؟
قال:«داوداذ» وهو بالفارسية الشّيطان، فتطيرت من ذلك. ثم ركبت معه، تصكّ الشمال وجهي، وتثير بالليل الصّقيع على رأسي. فلما قربنا من الفرصة صحت: يا حمّال! معي لحاف لي سمل، ومضربة خلق، وبعض ما لا بدّ لمثلي منه، فكان أول حمّال أجابني أعور فقلت لبقّار كان واقفا: بكم تكري ثورك هذا إلى الخان؟ فلما أدناه من متاعي إذا الثّور أعضب القرن، فازددت طيرة إلى طيرة، فقلت في نفسي:
الرّجوع أسلم لي. ثم ذكرت حاجتي إلى أكل الطين فقلت: ومن لي بالموت؟! فلما صرت في الخان وأنا جالس فيه، ومتاعي بين يديّ وأنا أقول: إن أنا خلفته في الخان وليس عنده من يحفظه فشّ الباب وسرق، وإن جلست أحفظه لم يكن لمجيئي إلى الأهواز وجه. فبينا أنا جالس إذ سمعت قرع الباب، قلت: من هذا عافاك الله تعالى؟
قال: رجل يريدك، قلت: ومن أنا؟ قال: أنت إبراهيم. فقلت: ومن إبراهيم؟ قال:
إبراهيم النّظّام. قلت: هذا خنّاق، أو عدوّ، أو رسول سلطان! ثم إني تحاملت وفتحت الباب، فقال: أرسلني إليك إبراهيم بن عبد العزيز ويقول:
نحن وإن كنّا اختلفنا في بعض المقالة، فإنّا قد نرجع بعد ذلك إلى حقوق الإخلاق والحرّيّة. وقد رأيتك حين مررت بي على حال كرهتها منك، وما عرفتك حتى خبّرني عنك بعض من كان معي وقال: ينبغي أن يكون قد نزعت بك حاجة.