للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلق لا خير فيه. والحمام كيفما أدرته، وكيفما زاوجت بين متّفقها ومختلفها، يكون الولد تامّ الخلق، مأمول الخير. فمن نتاج الحمام إذا كان مركبا مشتركا ما هو كالرّاعبي والورداني. وعلى أنّ للورداني غرابة لون وظرافة قدّ، للرّاعبيّ فضيلة في عظم البدن والفراخ، وله من الهديل والقرقرة ما ليس لأبويه، حتىّ صار ذلك سببا للزّيادة في ثمنه، وعلّة للحرص على اتّخاذه.

والغنم على قسمين: ضأن ومعز، والبقر على قسمين: أحدهما الجواميس إلا ما كان من بقر الوحش. والظّلف إذا اختلفا لم يكن بينهما تسافد ولا تلاقح، فهذه فضيلة للحمام في جهة الإنسال والإلقاح، واتّساع الأرحام لأصناف القبول. وعلى أنّ بين سائر أجناس الحمام من الوراشين، والقماريّ، والفواخت، تسافدا وتلاقحا.

٦٤٨-[مما أشبه فيه الحمام الناس]

وممّا أشبّه فيه الحمام النّاس، أنّ ساعات الحضن أكثرها على الأنثى، وإنّما يحضن الذّكر في صدر النهار حضنا يسيرا، والأنثى كالمرأة التي تكفل الصبيّ فتفطمه وتمرّضه، وتتعهده بالتمهيد والتّحريك. حتّى إذا ذهب الحضن وانصرم وقته، وصار البيض فراخا كالعيال في البيت، يحتاجون إلى الطّعام والشّراب، صار أكثر ساعات الزّقّ على الذّكر كما كان أكثر ساعات الحضن على الأنثى.

وممّا أشبه فيه الحمام النّاس ما قال مثنّى بن زهير وهو إمام النّاس في البصرة بالحمام وكان جيّد الفراسة، حاذقا بالعلاج، عارفا بتدبير الخارجيّ إذا ظهرت فيه مخيلة الخير- واسم الخارجيّ عندهم: المجهول- وعالما بتدبير العريق المنسوب إذا ظهرت فيه علامات الفسولة وسوء الهداية. وقد يمكن أن يخلف ابن قرشيّين ويندب ابن خوزيّ [١] من نبطيّة. وإنما فضّلنا نتاج العلية على نتاج السّفلة لأنّ نتاج النّجابة فيهم أكثر، والسّقوط في أولاد السفلة أعمّ، فليس بواجب أن يكون السفلة لا تلد إلّا السفلة والعلية لا تلد إلّا العلية، وقد يلد المجنون العاقل والسخيّ البخيل، والجميل القبيح.

وقد زعم الأصمعي أنّ رجلا من العرب قال لصاحب له: إذا تزوّجت امرأة من العرب فانظر إلى أخوالها، وأعمامها، وإخوتها، فإنها لا تخطئ الشبّه بواحد منهم! وإن كان هذا الموصي والحكيم، جعل ذلك حكما عامّا فقد أسرف في القول، وإن كان ذهب إلى التّخويف والزّجر والترهيب كي يختار لنفسه، ولأنّ المتخيّر أكثر نجابة فقد أحسن.


[١] الخوزي: نسبة إلى خوزستان.

<<  <  ج: ص:  >  >>