الوثوب والضّبر «١» والحضر، والطّلب والهرب، ما ليس في الجاموس، بل ليس ذلك عند الفهد في وثوبه، ولا عند السّمع في سرعة مرّه، ولا عند الأرنب في صعداء ولا هبوط، ولا يبلغه نقزان الظّبي إذا جمع جراميزه، ولا ركض الخيل العتاق إذا أجيد إضمارها. والجاموس يعرف كلّ ذلك منه.
ومع الجاموس من النّكوص عنه بقدر ما مع الأسد من الإقدام عليه، ويعلم أنّه ليس له إلّا قرنه وأنّ قرنه ليس في حدّة قرون بقر الوحش، فضلا عن حدّة أطراف مخالب الأسد وأنيابه وأن قرنه مبتذل، لا يصان عن شيء. ومخالب الأسد في أكمام وصوان «٢» .
وإذا قوي الجاموس مع هذه الأسباب المجبّنة على الأسد مع تلك الأسباب المشجّعة حتى يقتله أو يعرّد «٣» عنه، كان قد تقدّمه تقدّما فاحشا، وقد علاه علوّا ظاهرا. فلذلك قدّمنا الجاموس وهو بهيمة، وقدّمنا رؤساء البهائم على رؤساء السباع.
هذا سوى ما فيها من المرافق والمنافع والمعاون.
والجاموس أجزع خلق الله من عضّ جرجسة «٤» وبعوضة، وأشدّه هربا منهما إلى الماء. وهو يمشي إلى الأسد رخيّ البال، رابط الجأش، ثابت الجنان. فأمّا الفيل فلم يولّد الناس عليه وعلى الكركدّن ما ولّدوا من إفراط القوّة والنّجدة والشّهامة، إلّا والأمر بينهما متقارب عندهم.
٢١١٧-[مغالبة الفيل للأسد]
والهند أصحاب الببور والفيول، كما أنّ النّوبة أصحاب الزّرافات دون غيرهم من الأمم. وأهل غانة إنما صار لباسهم جلود النمور لكثرة النمور بها. إلا أنّها على حال موجودة في كثير من البلدان.
وقد ذكروا بأجمعهم قوّة الفيل الوحشيّ على الأسد، وقالوا في الفيلة الأهليّة إذا لقيت عندنا بالعراق الأسد وجمعنا بينهما. قالوا: أما واحدة فإنّ ذكور الفيلة لا تكاد تعيش عندكم، وأنيابها التي هي أكبر سلاحها لا تنبت في بلادكم، ولا تعظم ولا تزيد على ما كانت عليه ما أقامت في أرضكم، وهي أيضا لا تتناتج عندكم، وذلك