الذي يمكنها فيه ما يريد، فتقدمت الفاجرة وعرض له رجل فشغله، وجاء إلى المنزل وقد قضى القوم حوائجهم وأخذت حاجتها، فلم تنتظره. فلما أتاهم ولم يرها قال:
أين هي؟ قالوا: والله قد فرغنا وذهبت! قال فأيّ طريق أخذت؟ قالوا: لا والله ما ندري؟ قال فإن عدوت في إثرها حتّى أقوم على مجامع الطرق أتروني ألحقها؟ قالوا:
لا والله ما تلحقها! قال: فقد فاتت الآن؟ قالوا: نعم. قال: فعسى أن يكون خيرا! فلم أسمع قطّ بإنسان يشكّ أنّ السّلامة من الذنوب خير غيره.
٣٦-[قول الممرور في الجزء الذي لا يتجزّأ]
وسأل بعض أصحابنا أبا لقمان الممرور عن الجزء الذي لا يتجزّأ: ما هو؟ قال:
الجزء الذي لا يتجزأ هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام. فقال له أبو العيناء محمد:
أفليس في الأرض جزء لا يتجزأ غيره؟ قال: بلى حمزة جزء لا يتجزأ، وجعفر جزء لا يتجزأ! قال فما تقول في العباس؟ قال: جزء لا يتجزأ. قال: فما تقول في أبي بكر وعمر؟
قال: أبو بكر يتجزأ، وعمر يتجزأ. قال: فما تقول في عثمان؟ قال: يتجزّأ مرّتين، والزّبير يتجزّأ مرّتين. قال: فأيّ شيء تقول في معاوية؟ قال: لا يتجزأ ولا لا يتجزأ.
فقد فكرنا في تأويل أبي لقمان حين جعل الإمام جزءا لا يتجزأ إلى أيّ شيء ذهب، فلم نقع عليه إلّا أن يكون كان أبو لقمان إذا سمع المتكلّمين يذكرون الجزء الذي لا يتجزّأ، هاله ذلك وكبر في صدره، وتوهّم أنّه الباب الأكبر من علم الفلسفة، وأن الشيء إذا عظم خطره سموه بالجزء الذي لا يتجزأ.
وقد تسخّفنا في هذه الأحاديث، واستجزنا ذلك بما تقدّم من العذر، وسنذكر قبل ذكرنا القول في الحمام جملا من غرر ونوادر وأشعار ونتف وفقر من قصائد قصار وشوارد وأبيات، لنعطي قارئ الكتاب من كلّ نوع تذهب إليه النّفوس نصيبا إن شاء الله.
٥٦٠-[تناسب الألفاظ مع الأغراض]
ولكلّ ضرب من الحديث ضرب من اللفظ، ولكلّ نوع من المعاني نوع من الأسماء: فالسّخيف للسخيف، والخفيف للخفيف، والجزل للجزل، والإفصاح في موضع الإفصاح، والكناية في موضع الكناية، والاسترسال في موضع الاسترسال.
وإذا كان موضع الحديث على أنّه مضحك ومله، وداخل في باب المزاح والطّيب، فاستعملت فيه الإعراب، انقلب عن جهته. وإن كان في لفظه سخف وأبدلت