للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٠٥٦-[حديث سكر الشطرنجي]

وحدّثني بعض أصحابنا عن سكّر الشّطرنجيّ، وكان أحمق القاصّين، وأحذقهم بلعب الشّطرنج، وسألته عن خرق كان في خرمة [١] أنفه فقلت له: ما كان هذا الخرق؟ فذكر أنّه خرج إلى جبّل [٢] يتكسّب بالشّطرنج، فقدم البلدة وليس معه إلّا درهم واحد، وليس يدري أينجح أم يخفق، ويجد صاحبه الذي اعتمده أم لا يجده؟

فورد على حوّاء [٣] وبين يديه جون [٤] عظام فيها حيات جليلة.

والحيّة إذا عضّت لم تكن غايتها النّهش أو العضّ، وأن ترضى بالنّهش، ولكنّها لا تعضّ إلّا للأكل والابتلاع. وربّما كانت الحيّات عظاما جدّا ولا سموم لها، ولا تعقر بالعضّ، كحيات الجولان.

وفي البادية حيّة يقال لها الحفّاث، والحفّاث من الحيّات تأكل الفأر وأشباه الفأر، ولها وعيد منكر، ونفخ وإظهار للصّولة، وليس وراء ذلك شيء. والجاهل ربّما مات من الفزع منها. وربّما جمعت الحيّة السّمّ وشدّة الجرح، والعضّ والابتلاع، وحطم العظم.

فوقف سكّر على الحوّاء وقد أخرج من جونته أعظم حيّات في الأرض، وادّعى نفوذ الرّقية وجودة التّرياق، فقال له سكّر: خذ منّي هذا الدّرهم، وارقني رقية لا تضرّني معها حيّة أبدا! قال: فإنّي أفعل. قال: فأرسل قبل ذلك حيّة، حتّى ترقيني بعد أن تعضّني، فإن أفقت علمت أنّ رقيتك صحيحة. قال: فإنّي أفعل، فاختر أيّتهنّ شئت. فأشار إلى واحدة ممّا تعضّ للأكل دون السّمّ، فقال: دع هذه، فإنّ هذه إن قبضت على لحمك لم تفارقك حتى تقطعك! قال: فإنّي لا أريد غيرها. وظنّ أنّه إنّما زواها عنه لفضيلة فيها. قال: أمّا إذ أبيت إلّا هذه فاختر موضعا من جسدك حتّى أرسلها عليه. فاختار أنفه، فناشده وخوّفه، فأبى إلّا ذلك أو يردّ عليه درهمه. فأخذها الحّواء وطواها على يده، كي لا يدعها تنكز [٥] فتقطع أنفه من أصله. ثمّ أرسلها عليه. فلما أنشبت أحد نابيها في شقّ أنفه صرخ عليه صرخة جمعت عليه أهل تلك


[١] الخرمة: موضع الخرم من الأنف. (القاموس: خرم) .
[٢] جبّل: بلدة بين النعمانية وواسط في الجانب الشرقي. معجم البلدان ٢/١٠٣.
[٣] رجل حوّاء وحاو: يجمع الحيات. (اللسان: حوا) .
[٤] جون: جمع جونة، وهي سليلة «تصغير سلة» مغشاة أدما تكون مع العطارين. (القاموس: جون) .
[٥] نكزت الحية: لسعت بأنفها. (القاموس: نكز) .

<<  <  ج: ص:  >  >>