عند زمان الحركة، ومن التفتّق والانتشار في إبّان الانتشار. وإذا صارت الأمطار لتلك الأرحام كالنّطفة، وكان بعض الأرض كالأم الغاذية فلا بدّ لكلّ ثدي قويّ أن يظهر قوّته، كما قال الأوّل:[من الطويل]
ولا بدّ للمصدور يوما من النّفث «١»
وقال:[من الطويل]
ولا بدّ من شكوى إذا لم يكن صبر «٢»
ولذلك صار طلب الحساب أخفّ على بعضهم، وطلب الطّبّ أحبّ إلى بعضهم. وكذلك النّزاع إلى الهندسة، وشغف أهل النّجوم بالنّجوم. وكذلك أيضا ربّما تحرّك له بعد الكبرة، وصرف رغبته إليه بعد الكهولة، على قدر قوّة العرق في بدنه، وعلى قدر الشّواغل له وما يعترض عليه، فتجد واحدا يلهج بطلب الغناء واللحون، وآخر يلهج بشهوة القتال، حتى يكتتب مع الجند، وآخر يختار أن يكون ورّاقا، وآخر يختار طلب الملك، وتجد حرصهم على قدر العلل الباطنة المحرّكة لهم، ثمّ لا تدري كيف عرض لهذا هذا السّبب دون الآخر إلّا بجملة من القول، ولا تجد المختار لبعض هذه الصناعات على بعض يعلم لم اختار ذلك في جملة ولا تفسير، إذ كان لم يجر منه على عرق، ولا اختاره على إرث.
١٦٢-[من سار على غير طبعه]
وليس العجب من رجل في طباعه سبب يصل بينه وبين بعض الأمور ويحرّكه في بعض الجهات، ولكنّ العجب ممّن يموت مغنّيا وهو لا طبع له في معرفة الوزن، وليس له جرم حسن «٣» ، فيكون إن فاته أن يكون معلّما ومغنّي خاصّة أن يكون مطربا ومغنّي عامّة، وآخر قد مات أن يذكر بالجود، وأن يسخّى على الطعام، وهو أبخل الخلق طبعا. فتراه كلفا باتّخاذ الطيّبات ومستهترا بالتكثير منها. ثمّ هو أبدا مفتضح وأبدا منتقض الطباع، ظاهر الخطأ، سيّئ الجزع عند مؤاكلة من كان هو الداعي له، والمرسل إليه، والعارف مقدار لقمه ونهاية أكله.
فإن زعمتم أنّ كلّ واحد من هؤلاء إنّما هو رهن بأسبابه. وأسير في أيدي علله،