للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدلّ على ذلك في قدر ما شاهدنا أنّهم يخرجون إلى الصّحارى الأغفال، التي لم يذعر صيدها، ولا يطؤها النّاس، فيأتون الوحش فوضى هملا، ومعهم كلابهم وفهودهم تتلوى بأيديهم، فيتقدّمون إلى المواضع التي لو كانوا ابتدؤوا الصّيد من جهتها لأخذوا ما أخذوا فإذا نفرت وحوش هذه الأرض، ومرّت بالأرض المجاورة لها، نفرت سكّان تلك الأرض مع هذه النّوافر، ولا تعود تلك الصحارى إلى مثل ما كانت عليه، من كثرة الوحش حينا.

ومتى لم تنفّرها الأعراب بالكلاب والقسيّ، ونصب الحبائل، رتعت بقربهم، ثمّ دنت منهم أوّلا فأوّلا، حتى تطأ أكناف بيوتهم. وهي اليوم في حير [١] المعتصم بالله والواثق بالله على هذه الصّفة.

١٢٢٥-[إقبال الظّباء على الناس]

وخبّرني إبراهيم بن السّنديّ قال خبرني عبد الملك بن صالح، وإسحاق بن عيسى، وصالح صاحب الموصل، أنّ خالد بن برمك، بينا هو على سطح من سطوح القرى مع قحطبة، وهم يتغدّون، وذلك في بعض منازلهم، حين فصلوا من خراسان إلى الجبل. قال: وبين قحطبة وبين الأعداء مسيرة أيّام وليال. قال: فبينا خالد يتغدّى معه وذلك حين نزلوا وبهم كلال السّير، وحين علّقوا [٢] على دوابّهم، ونصبوا قدورهم، وقرّبوا سفرهم [٣] .

قال فنظر خالد إلى الصّحراء، فرأى أقاطيع الظّباء قد أقبلت من جهة الصّحارى، حتى كادت تخالط العسكر، فقال لقحطبة: أيّها الأمير! ناد في النّاس: «يا خيل الله اركبي» [٤] ؛ فإنّ العدوّ قد حثّ إليك السّير، وغاية أصحابك أن يسرجوا ويلجموا قبل أن يروا سرعان الخيل [٥] . فقام قحطبة مذعورا، فلما لم ير شيئا يروعه، ولم ير غبارا قال لخالد: ما هذا الرّأي! قال: أيّها الأمير! لا تتشاغل بي وبكلامي، وناد في النّاس.

أما ترى أقاطيع الوحش قد أقبلت، فارقت مواضعها حتّى خالطت الناس؟! إنّ وراءها


[١] الحير: البستان.
[٢] في اللسان «العليق: القضيم يعلق على الدابة» والقضيم: الشعير.
[٣] السّفر: جمع سفرة، وهي طعام المسافر.
[٤] الحديث أورده الجاحظ في البيان ٢/١٥، وتقدم في الفقرة (٢٤٣) ، ١/٢٢٢.
[٥] سرعان الخيل: أوائلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>