اللهم إنّا نعوذ بك من الشّيطان الرجيم، ونسألك الهداية إلى صراطك المستقيم، وصلّى الله على سيدنا محمد خاصّة وعلى أنبيائه عامّة. ونعوذ بالله أن تدعونا المحبّة لإتمام هذا الكتاب إلى أن نصل الصّدق بالكذب وندخل الباطل في تضاعيف الحق، وأن نتكثّر بقول الزور ونلتمس تقوية ضعفه باللفظ الحسن، وستر قبحه بالتأليف المونق، أو نستعين على إيضاح الحقّ إلا بالحق، وعلى الإفصاح بالحجّة إلّا بالحجة، ونستميل إلى دراسته واجتبائه «١» ، ونستدعي إلى تفضيله والإشادة بذكره، بالأشعار المولّدة، والأحاديث المصنوعة، والأسانيد المدخولة، بما لا شاهد عليه إلّا دعوى قائله، ولا مصدّق له إلّا من لا يوثق بمعرفته. ونعوذ بالله من فتنة القول وخطله، ومن الإسهاب وتقحّم أهله. والاعتماد فيما بيننا وبين كثير من أهل هذا الزمان على حسن الظنّ، والاتّكال فيهم على العذر؛ فإنّ كثيرا ممّن يتكلّف قراءة الكتب، ومدارسة العلم، يقفون من جميع الكتب على الكلمة الضعيفة، واللّفظة السّخيفة، وعلى موضع من التأليف قد عرض له شيء من استكراه، أو ناله بعض اضطراب، أو كما يعرض في الكتب من سقطات الوهم، وفلتات الضّجر، ومن خطأ النّاسخ، وسوء تحفّظ المعارض على معنى لعله لو تدبّره بعقل غير مفسد، ونظر غير مدخول، وتصفّحه وهو محترس من عوارض الحسد، ومن عادة التسرّع، ومن أخلاق من عسى أن يتّسع في القول بمقدار ضيق صدره، ويرسل لسانه إرسال الجاهل بكنه ما يكون منه. ولو جعل بدل شغله بقليل ما يرى من المذموم شغله بكثير ما يرى من المحمود- كان ذلك أشبه بالأدب المرضيّ والخيم الصّالح، وأشدّ مشاكلة للحكمة، وأبعد من سلطان الطّيش، وأقرب إلى عادة السّلف وسيرة الأوّلين، وأجدر أن يهب الله له السّلامة في كتبه، والدّفاع عن حجّته يوم مناضلة خصومه ومقارعة أعدائه.
وليس هذا الكتاب- يرحمك الله- في إيجاب الوعد والوعيد فيعترض عليه