بين الإنسان والطير أنّ ذلك المعنى معنّى يسمّى منطقا وكلاما على التشبيه بالنّاس، وعلى السبب الذي يجري، والنّاس ذلك لهم على كلّ حال.
وكذلك قال الشاعر الذي وصفها بالعقل، وإنما قال ذلك على التّشبيه، فليس للشاعر إطلاق هذا الكلام لها، وليس لك أن تمنعها ذلك من كلّ جهة وفي كلّ حال.
فافهم فهّمك الله، فإنّ الله قد أمرك بالتفكّر والاعتبار، وبالتعرّف والاتّعاظ.
وقد قال الله عزّ وجلّ مخبرا عن سليمان: يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ
«١» نجعل ذلك منطقا، وخصّ الله سليمان بأن فهّمه معاني ذلك المنطق، وأقامه فيه مقام الطّير؛ وكذلك لو قال علّمنا منطق البهائم والسّباع، لكان ذلك آية وعلامة.
وقد علّم الله إسماعيل منطق العرب بعد أن كان ابن أربع عشرة سنة، فلما كان ذلك على غير التلقين والتأديب والاعتياد والترتيب والمنشأ، صار ذلك برهانا ودلالة وأعجوبة وآية.
وقال ابن عبّاس- وذكر عمر بن الخطاب فقال-: «كان كالطائر الحذر» ؛ فشبّه عزم عمر وتخوّفه من الخطأ، وحذره من الخدع بالطائر.
٢٠٤٩-[ما قيل في تجاوب الأصداء والديكة]
وقال ابن مقبل «٢» : [من البسيط]
فلا أقوم على المولى فأشتمه ... ولا يخرّقه نابي ولا ظفري
ولا تهيّبني الموماة أركبها ... إذا تجاوبت الأصداء بالسّحر
فجعلها تتجاوب. وقال الطرمّاح بن حكيم- وذكر تجاوب الدّيكة كما ذكر ابن مقبل تجاوب الأصداء- فقال «٣» : [من الطويل]
فيا صبح كمّش غبّر اللّيل مصعدا ... ببمّ ونبّه ذا العفاء الموشّح
إذا صاح لم يخذل وجاوب صوته ... حماش الشّوى يصدحن من كلّ مصدح