وحكوا عن عظم بعض الحيّات، حتى ألحقوه بهما، وأكثروا في تعظيم شأن التّنّين؛ فليس لكم أن تدّعوا للفيل ما ادّعيتم.
٢٠٨٦-[رد صاحب الفيل على خصمه]
قال صاحب الهند والمعبّر عن خصال الفيل «١» : أمّا الفيل وعلوّ سمكه، وعظم جفرته، واتّساع صهوته، وطول خرطومه، وسعة أذنه، وكبر غرموله، مع خفّة وطئه، وطول عمره، وثقل حمله، وقلة اكتراثه لما وضع على ظهره، فقد عاين ذلك من الجماعات من لا يستطيع الردّ عليها إلّا جاهل أو معاند. وأمّا ما ادّعيتم من عظم الحيّة وأنّا متى مسحنا طولها وثخنها، وأخذنا وزنها كانت أكثر من الفيل، فإنّا لم نسمع هذا إلا في أحاديث الرقّائين، وأكاذيب الحوّائين، وتزيّد البحريّين.
وأما التنّين فإنّما سبيل الإيمان به سبيل الإيمان بعنقاء مغرب. وما رأيت مجلسا قطّ جرى فيه ذكر التنّين إلّا وهم ينكرونه ويكذّبون المخبر عنه، إلّا أنا في الفرط ربّما رأينا بعض الشاميّين يزعم أنّ التّنّين إعصار فيه نار يخرج من قبل البحر في بعض الزّمان، فلا يمرّ بشيء إلّا أحرقه، فسمّى ذلك ناس «التّنّين» ، ثمّ جعلوه في صورة حيّة.
وأما السّرطان فلم نر أحدا قط ذكر أنّه عاينه، فإن كنّا إلى قول بعض البحريّين نرجع، فقد زعم هؤلاء أنّهم ربما قربوا إلى بعض جزائر البحر، وفيها الغياض والأودية واللّخاقيق «٢» ، وأنّهم في بعض ذلك أوقدوا نارا عظيمة، فلما وصلت إلى ظهر السرطان هاج بهم وبكلّ ما عليه من النّبات، حتّى لم ينج منهم إلا الشريد.
وهذا الحديث قد طمّ على الخرافات والتّرّهات «٣» وحديث الخلوة.
وأمّا السّمك فلعمري إنّ السمكة التي يقال لها «البال» لفاحشة العظم. وقد عاينوا ذلك عيانا، وقتلوه يقينا. ولكن أحسبوا أنّ الشّأن في البال على ما ذكرتم، فهل علمتم أن فيه من الحسّ والمعرفة، واللّقن والحكاية، والطّرب وحسن المواتاة وشدّة القتال، والتمهّد تحت الملوك، وغير ذلك من الخصال، كما وجدنا ذلك وأكثر منه في الفيل.