للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي هو مشغول به، صار ذلك الشّغل مصروفا إلى من وضع يده فيه؛ إذ كان لا ينفكّ من عمله.

وكان مع ذلك يزعم أنك لو أطفأت نار الأتّون [١] لم تجد شيئا من الضوء، ووجدت الكثير من الحر؛ لأن الضياء لما لم يكن له في الأرض أصل ينسب إليه، وكان له في العلوّ أصل، كان أولى به.

وفي الحقيقة أنهما جميعا قد اتصلا بجوهرهما من العالم العلويّ. وهذا الحر الذي تجده في الأرض، إنما هو الحرّ الكامن الذي زال مانعه.

هكذا كان ينبغي أن يقول. وهو قياسه.

وكان يزعم أنك إن أبصرت مصباحا قائما إلى الصّبح أن الذي رأيته في أول وهلة قد بطل من هذا العالم، وظفر من الدهن بشيء من وزنه وقدره بلا فضل [٢] ، ثم كذلك الثالث والرابع والتاسع. فأنت إن ظننت أن هذا المصباح ذلك، فليس به، ولكن ذلك المكان لما كان لا يخلو من أقسام متقاربة متشابهة، ولم يكن في الأول شية [٣] ولا علامة، وقع عندك أن المصباح الذي رأيته مع طلوع الفجر، هو الذي رأيته مع غروب الشّفق.

وكان يزعم أن نار المصباح لم تأكل شيئا من الدّهن ولم تشربه، وأن النار لا تأكل ولا تشرب، ولكن الدهن ينقص على قدر ما يخرج منه من الدخان والنار الكامنين، اللذين كانا فيه. وإذا خرج كلّ شيء فهو بطلانه.

[باب في المجاز والتشبيه بالأكل]

١٢٧٢-[المجاز والتشبيه الأكل]

وقد يقولون ذلك أيضا على المثل، وعلى الاشتقاق، وعلى التشبيه.

فإن قلتم: فقد قال الله عزّ وجلّ في الكتاب: الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ

[٤] علمنا أن الله، عزّ وجلّ، إنما كلمهم بلغتهم.


[١] الأتّون: الموقد.
[٢] الفضل: الزيادة.
[٣] الشية: اللون يخالف معظم اللون.
[٤] ١٨٣/آل عمران: ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>