للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زمانه؛ لأنّه نبيّ ابن نبيّ، وكان يوسف وزير ملك مصر من النّباهة بالموضع الذي لا يدفع، وله البرد، وإليه يرجع جواب الأخبار، ثمّ لم يعرف يعقوب مكان يوسف، ولا يوسف مكان يعقوب عليهما السلام- دهرا من الدّهور، مع النّباهة، والقدرة، واتّصال الدار.

١٠٠٤-[القول في موسى بن عمران]

وكذلك القول في موسى بن عمران ومن كان معه في التّيه، فقد كانوا أمّة من الأمم يتكسّعون أربعين عاما، في مقدار فراسخ يسيرة ولا يهتدون إلى المخرج. وما كانت بلاد التّيه إلّا من ملاعبهم ومنتزهاتهم. ولا يعدم مثل ذلك العسكر الأدلّاء والجمّالين، والمكارين [١] ، والفيوج [٢] ، والرّسل، والتّجار. ولكنّ الله صرف أوهامهم، ورفع ذلك الفصل [٣] من صدورهم.

١٠٠٥-[القول في الشياطين]

وكذلك القول في الشّياطين الذين يسترقون السّمع في كلّ ليلة، فنقول: إنّهم لو كان كلما أراد مريد منهم أن يصعد ذكر أنّه قد رجم صاحبه، وأنّه كذلك منذ كان لم يصل معه أحد إلى استراق السّمع، كان محالا أن يروم ذلك أحد منهم مع الذّكر والعيان.

ومثل ذلك أنّا قد علمنا أنّ إبليس لا يزال عاصيا إلى يوم البعث. ولو كان إبليس في حال المعصية ذاكرا لإخبار الله تعالى أنّه لا يزال عاصيا وهو يعلم أنّ خبره صدق، كان محالا أن تدعوه نفسه إلى الإيمان، ويطمع في ذلك، مع تصديقه بأنّه لا يختار الإيمان أبدا.

ومن المحال أن يجمع بين وجود الاستطاعة وعدم الدّواعي وجواز الفعل.

ولو أنّ رجلا علم يقينا أنّه لا يخرج من بيته يومه ذلك، كان محالا أن تدعوه نفسه إلى الخروج، مع علمه بأنّه لا يفعل. ولكنّ إبليس لما كان مصروف القلب عن ذكر ذلك الخبر، دخل في حدّ المستطيعين.


[١] المكارين: جمع مكار، وهو الذي يؤجر دابته للناس. انظر اللسان (كرى) .
[٢] الفيوج: جمع فيج: رسول السلطان الذي يسعى بالكتب. (اللسان: فيج) .
[٣] الفصل: التمييز. (اللسان: فصل) .

<<  <  ج: ص:  >  >>