وقال بعض من يستفهم ويحب التّعلم: ما بال الأسد إذا رأى الفيل علم أنّه طعام له، وإذا رأى النّمر والببر لم يكونا عنده كذلك؟ وكيف وهو أعظم وأضخم وأشنع وأهول؟ فإن كان الأسد إنما اجترأ عليه لأنّه من لحم ودم، واللّحم طعامه والدّم شرابه. فالببر والنّمر من لحم ودم، وهما أقلّ من هؤلاء وأقمأ جسما.
قال القوم: ومتى قدّر الأسد في الفيل أنه إذا قاتله غلبه، وإذا غلبه قتله، وإذا قتله أكله؟ وقد نجد الببر فوق الأسد وهو لا يعرض له. والأسد فوق الكلب وهو يشتهي لحمه، ويشتهي لحم الفهد بأكثر ممّا يشتهي لحم الضّبع والذئب، وليست علّته المواثبة التي ذهبتم إليها.
٢١٤٦-[معرفة الحيوان]
فأمّا علم جميع الحيوان بمواضع ما يعيشها، فمن علّم البعوضة أنّ من وراء ظاهر جلد الجاموس دما، وإنّ ذلك الدم غذاء لها، وأنّها متى طعنت في ذلك الجلد الغليظ الشّثن «١» ، الشديد الصّلب، أن خرطومها ينفذ فيه على غير معاناة «٢» .
ولو أن رجلا منّا طعن جلده بشوكة لانكسرت الشّوكة قبل أن تصل إلى موضع الدم. وهذا باب يدرك بالحسّ وبالطبع وبالشبه وبالخلقة. والذي سخّر لخرطوم البعوضة جلد الجاموس، هو الذي سخّر الصخرة لذنب الجرادة، وهو الذي سخّر قمقم النّحاس لإبرة العقرب.
٢١٤٧-[علة عدم تلاقح الفيلة بالعراق]
وقال بعض خصماء الهند: لو كانت الفيلة لا تتلاقح عندنا بالعراق لأنها هنديّة لتغيّر الهواء والأرض، فعقر ذلك أرحامها، وأعقم أصلابها لكان ينبغي للطواويس أن لا تتزاوج عندنا ولا تبيض ولا تفرخ. ونحن قد نصيد البلابل والدباسيّ، والوارشين، والفواخت والقمارى والقبج والدّرّاج، فلا تتسافد عندنا في البيوت، وهي من أطيار بساتيننا وضياعنا، ولا تتلاقح إذا اصطدناها كرارزة «٣» ، بل لا تصوّت ولا تغنّي ولا تنوح، وتبقى عندنا وحشيّة كمدة ما عاشت، فإن أخذناها فراخا زاوجت وعشّشت