وإنّما ذكرت لك هؤلاء لأنهم من سؤددهم وطاعة القبيلة لهم، لم يذهبوا فيمن تحت أيديهم من قومهم، ومن حلفائهم وجيرانهم، مذهب كليب بن ربيعة، ولا مذهب حذيفة بن بدر، ولا مذهب عيينة بن حصن، ولا مذهب لقيط بن زرارة، ولأنّ لقيطا لم يأمر بسحب ضمرة بن ضمرة إلّا وهو لو بقي لجاوز ظلم كليب وتهكم عيينة، فإنّ هؤلاء وإن كانوا سادة فقد كانوا يظلمون، وكانوا بين أن يظلموا وبين أن يحتملوا ظلما ممن ظلمهم. ولا بدّ من الاحتمال كما لا بدّ من الانتصار.
وقد قال عزّ وجلّ: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ
«١» . وإلى هذا المعنى رجع قول الحكيم الأوّل:«بعض القتل إحياء للجميع»«٢» .
وعامّة هولاء السّادة لم يكن شأنهم أن يردّوا الناس إلى أهوائهم، وإلى الانسياق لهم بعنف السّوق، وبالحرب في القود، بل كانوا لا يؤثرون التّرهيب على الترغيب.
والخشونة على التليين. وهم مع ذلك قد هجوا بأقبح الهجاء.
ومتى أحبّ السّيّد الجامع، والرئيس الكامل قومه أشدّ الحبّ وحاطهم على حسب حبه لهم، كان بغض أعدائهم له على حسب حبّ قومه له. هذا إذا لم يتوثّب إليه ولم يعترض عليه من بني عمّه وإخوته من قد أطمعته الحال باللّحاق به. وحسد الأقارب أشدّ، وعداوتهم على حسب حسدهم.
وقد قال الأوّلون: رضا الناس شيء لا ينال.
وقد قيل لبعض العرب: من السّيّد فيكم؟ قال الذي إذا أقبل هبناه، وإذا أدبر اغتبناه! وقد قال الأوّل: بغضاء السّوق «٣» موصولة بالملوك والسادة، وتجري في الحاشية مجرى الملوك.
٣١٠-[صعوبة سياسة العوام]
وليس في الأرض عمل أكدّ لأهله من سياسة العوامّ. وقد قال الهذليّ يصف صعوبة السياسة:[من الوافر]
وإن سياسة الأقوام فاعلم ... لها صعداء مطلبها طويل «٤»