للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٢٣١-[مساءلة أبي إسحاق للمنانية]

كان أبو إسحاق يسأل المنانيّة [١] ، عن مسألة قريبة المأخذ قاطعة، وكان يزعم أنّها ليست له.

وذلك أنّ المنانيّة تزعم أنّ العالم بما فيه، من عشرة أجناس: خمسة منها خير ونور، وخمسة منها شرّ وظلمة. وكلّها حاسّة وحارّة.

وأنّ الإنسان مركّب من جميعها على قدر ما يكون في كلّ إنسان من رجحان أجناس الخير على أجناس الشّرّ، ورجحان أجناس الشّرّ على أجناس الخير.

وأنّ الإنسان وإن كان ذا حواسّ خمسة، فإنّ في كلّ حاسّة متونا من ضدّه من الأجناس الخمسة. فمتى نظر الإنسان نظرة رحمة فتلك النّظرة من النّور، ومن الخير.

ومتى نظر نظرة وعيد، فتلك النّظرة من الظلمة. وكذلك جميع الحواسّ.

وأنّ حاسّة السّمع جنس على حدة، وأنّ الذي في حاسّة البصر من الخير والنّور، لا يعين الذي في حاسّة السّمع من الخير ولكنه لا يضادّه، ولا يفاسده، ولا يمنعه. فهو لا يعينه لمكان الخلاف والجنس، ولا يعين عليه؛ لأنّه ليس ضدّا.

وأنّ أجناس الشّرّ خلاف لأجناس الشّرّ، ضدّ لأجناس الخير. وأجناس الخير يخالف بعضها بعضا ولا يضادّ. وأنّ التّعاون والتآدي [٢] لا يقع بين مختلفها، ولا بين متضادّها، وإنما يقع بين متفقها.

قال: فيقال للمنانيّ: ما تقول في رجل قال لرجل: يا فلان، هل رأيت فلانا؟

فقال المسؤول: نعم قد رأيته. أليس السّامع قد أدّى إلى النّاظر، والنّاظر قد أدّى إلى الذّائق؟! وإلّا فلم قال اللّسان: نعم! إلّا وقد سمع الصّوت صاحب اللّسان؟! وهذه المسألة قصيرة كما ترى، ولا حيلة له بأن يدفع قوله.

١٢٣٢-[مساءلة المأمون لزنديق]

ومسألة أخرى، سأل عنها أمير المؤمنين الزّنديق الذي كان يكنى بأبي عليّ،


[١] المنانية: أتباع ماني. انظر الفهرست ٤٥٦- ٤٧٢.
[٢] التآدي: التعاون.

<<  <  ج: ص:  >  >>