للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مفهومة كلّها، وما بالنا نفهم بعضها ولا نفهم أكثرها، وما بالك تقدّم بعض العويص وتؤخّر بعض المفهوم؟! قال: أنا رجل لم أضع كتبي هذه لله، وليست هي من كتب الدين، ولو وضعتها هذا الوضع الذي تدعوني إليه، قلّت حاجاتهم إليّ فيها، وإنّما كانت غايتي المنالة، فأنا أضع بعضها هذا الوضع المفهوم، لتدعوهم حلاوة ما فهموا إلى التماس فهم ما لم يفهموا، وإنّما قد كسبت في هذا التدبير، إذ كنت إلى التكسّب ذهبت، ولكن ما بال إبراهيم النظّام، وفلان وفلان، يكتبون الكتب لله بزعمهم، ثم يأخذها مثلي في مواقفته «١» ، وحسن نظره، وشدّة عنايته، ولا يفهم أكثرها؟! وأقول: لو أنّ يوسف السّمتيّ، كتب هذه الشروط، أيّام جلس سلمان بن ربيعة شهرين للقضاء، فلم يتقدّم إليه رجلان، والقلوب سليمة والحقوق على أهلها موفّرة، لكان ذلك خطلا ولغوا؛ ولو كتب في دهره شروط سلمان، لكان ذلك غرارة ونقصا، وجهلا بالسياسة، وبما يصلح في كلّ دهر.

٦١-[مواضع الاستطراد]

ووجدنا الناس إذا خطبوا في صلح بين العشائر أطالوا، وإذا أنشدوا الشعر بين السّماطين في مديح الملوك أطالوا. وللإطالة موضع وليس ذلك بخطل، وللإقلال موضع وليس ذلك من عجز.

ولولا أنّي أتّكل على أنّك لا تملّ باب القول في البعير حتّى تخرج إلى الفيل، وفي الذّرّة حتّى تخرج إلى البعوضة، وفي العقرب حتّى تخرج إلى الحيّة، وفي الرجل حتّى تخرج إلى المرأة، وفي الذّبان والنحل حتى تخرج إلى الغربان والعقبان، وفي الكلب حتّى تخرج إلى الديك، وفي الذئب حتّى تخرج إلى السبع، وفي الظّلف حتّى تخرج إلى الحافر، وفي الحافر حتّى تخرج إلى الخفّ، وفي الخفّ حتّى تخرج إلى البرثن، وفي البرثن حتّى تخرج إلى المخلب، وكذلك القول في الطير وعامّة الأصناف، لرأيت أنّ جملة الكتاب، وإن كثر عدد ورقه، أنّ ذلك ليس مما يملّ، ويعتدّ عليّ فيه بالإطالة، لأنّه وإن كان كتابا واحدا فإنّه كتب كثيرة، وكلّ مصحف منها فهو أمّ على حدة، فإن أراد قراءة الجميع لم يطل عليه الباب الأوّل حتّى يهجم على الثاني، ولا الثاني حتّى يهجم على الثالث، فهو أبدا مستفيد ومستطرف، وبعضه

<<  <  ج: ص:  >  >>