للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحبس، فنسيت قدر الزّوج الطيّار والفرخين. وما لهما من الثمن، وما فيهما من الكرم، ومتّ من رحمة الزّوج المقصوص، وشغلني الاهتمام بهما عن كثير مما أنا فيه، فقلت: أمّا الزّوج الطيّار فإنّهما يخرجان ويرجعان ويزقّان، ولعلّهما أن يسلما ولعلّهما أن يذهبا- وقد كنت ربّيتهما حتى تحصّنا وورّدا «١» - فإذا شبّ الفرخان ونهضا مع أبويهما، وسقطا على المعلاة، فإمّا أن يثبتا وإمّا أن يذهبا، ولكن كيف يكون حال المقصوصين، ومن أسوأ حالا منهما؟! فخلّي سبيلي بعد شهر، فلم يكن لي همّ إلّا النّظر إلى ما خلّفت خلفي من الحمام، وإذا الفرخان قد ثبتا وإذا الزّوجان قد ثبتا، وإذا الزّوجان الطيّاران ثبتا على حالهما، إلّا أنّي رأيتهما زاقّين، إذ علامة ذلك في موضع الغبب، وفي القرطمتين «٢» ، وفي أصول المناقير، وفي عيونهما، فقلت:

فكيف يكونان زاقّين مع استغناء فرخيهما عنهما؟! ولا أشكّ في موت المقصوصين.

ثمّ دخلت الغرفة فإذا هما على أفضل حال، فاشتدّ تعجّبي من ذلك، فلم ألبث أن دنوا إلى أفواه الزّوج الكبار يصنعان كما يصنع الفرخ في طلب الزّقّ، ورأيتهما حين زقّاهما، فإذا هما لما اشتدّ جوعهما، وكانا يريانهما يزقّان الفرخين ويريان الفرخين كيف يستطعمان ويستزقّان، حملهما الجوع وحبّ العيش، وتلهّب العطش، وما في طبعهما من الهداية، على أن طلبا ما يطلب الفرخ، فزقّاهما ثم صار الزّقّ عادة في الطيّار، والاستطعام عادة في المقصوص.

٣٥٩-[من عجائب الحمام]

ومن الحمام حمام يزقّ فراخه ولا يزقّ شيئا من فراخ غيره، وإن دنا منه مع فراخه فرخ من فراخ غيره، وشاكل فرخيه في السّنّ واللّون طردهما ولم يزقّهما، ومن الحمام ما يزّقّ كلّ فرخ دنا منه، كما أنّ من الحمام حماما لا يزقّ فراخه البتّة حتّى يموت.

وإنّما تعظم البليّة على الفرخ إذا كان الأب هو الذي لا يزقّ، لأنّ الولادة وعامّة الحضن والكفل على الأمّ، فإذا ظهر الولد فعامّة الزّقّ على الأب. كأنه صاحب العيال والكاسب عليهم، وكالأمّ التي تلد وترضع.

٣٦٠-[كاسر العظام]

وأعجب من هذا، الطائر الذي يقال له كاسر العظام «٣» ، فإنّه يبلغ من برّ الفراخ

<<  <  ج: ص:  >  >>