الخصيّ ينكح ويتّخذ الجواري ويشتدّ شغفه بالنساء، وشغفهنّ به، وهو وإن كان مجبوب العضو فإنّه قد بقي له ما عسى أن يكون فيه من ذلك ما هو أعجب إليهنّ. وقد يحتلم ويخرج منه عند الوطء ماء، ولكنّه قليل متغيّر الريح، رقيق ضعيف. وهو يباشر بمشقّة، ثم لا يمنعه من المعاودة الماء الذي يخرج منه إذ كان قليل المقدار لا يخرجه من القوّة إلى الضعف، مثل الذي يعتري من يخرج منه شيء يكون من إنسان، وهو أخثر، وأكثر، وأحدّ ريحا، وأصحّ جوهرا.
والخصيّ يجتمع فيه أمنيّة المرأة، وذلك أنّها تبغض كلّ سريع الإراقة، بطيء الإفاقة، كما تكره كلّ ثقيل الصدر «١» ، وخفيف العجز، والخصيّ هو السريع الإفاقة، البطيء الإراقة، المأمون الإلقاح، فتقيم المرأة معه، وهي آمنة العار الأكبر، فهذا أشدّ لتوفير لذّتها وشهوتها، وإذا ابتذلن الخيصان، وحقرن العبيد، وذهبت الهيبة من قلوبهنّ، وتعظيم البعول، والتصنّع لذوي الأقدار باجتلاب الحياء وتكلّف الخجل، ظهر كلّ شيء في قوى طبائعهنّ وشهواتهنّ، فأمكنها النّخير والصياح، وأن تكون مرّة من فوق، ومرّة من أسفل، وسمحت النفس بمكنونها، وأظهرت أقصى ما عندها.
وقد تجد في النساء من تؤثر النساء، وتجد فيهنّ من تؤثر الرجال، وتجد فيهنّ من تؤثر الخصيان، وتجد فيهنّ من تجمع ولا تفرّق، وتعمّ ولا تخصّ، وكذلك شأن الرجال في الرجال، وفي النساء والخصيان فالمرأة تنازع إلى الخصيّ لأنّ أمره أستر وعاقبته أسلم، وتحرص عليه لأنّه ممنوع منها، ولأنّ ذلك حرام عليها، فلها جاذبان:
جاذب حرص كما يحرص على الممنوع، وجاذب أمن كما يرغب في السلامة.
وقال الأصمعيّ: قال يونس بن عبيد: لو أخذنا بالجزع لصبرنا «٢» . قال الشاعر:[من البسيط]
وزادها كلفا بالحبّ أن منعت ... وحبّ شيء إلى الإنسان ما منعا «٣»
والحرص على الممنوع باب لا يقدر على الاحتجاز منه، والاحتراس من خدعه،