وعتقه جائز، وجواز العتق يوجب الملك. ولو باعه المالك على غير طلب الزيادة، أو لو تاب من الخصاء أو استحلّة مما أتى إليه، لما حرم على الخاصي نفسه استخدامه، والخصيّ مال وملك، واستخدامه حسن جميل، ولأنّ خصاءه إيّاه لا يعتقه عليه، ولا يزيل عن ملكه إلا بمثل ما وجب به ملكه.
وأخرى: أنّ في قبول هديّة ذلك الملك، وتلّقي كرامته بالإكرام تدبيرا وحكمة. فقد بطلت المسألة، والحمد لله كما هو أهله.
وقد رووا مع ذلك أيضا: أنّ زنباعا الجذّاميّ، خصى عبدا له «١» ، وأنّ النبي صلى الله عليه وسلم أعتقه عليه فيما بلغنا. والله أعلم.
وربّما سألوا عن الشيء وليس القول فيه يقع في نسق القول في الخصيّ، وفي الخلق المركّب، ولكن إذ قد أجبنا في مسألة كلاميّة من مسائل الطعن في النبوّة، فلا بأس أن نضيف إليها أخرى، ولا سيّما إذا لم تطل فتزيد في طول الكتاب.
وقد لا يزال الطاعن يقول: قد علمنا أنّ العرب لم يسموا حروب أيّام الفجار بالفجور وقريش خاصّة، إلّا أنّ القتال في البلد الحرام، في الشهر الحرام كان عندهم فجورا، وتلك حروب قد شهدها النبيّ صلى الله عليه وسلم وعلى آله، وهو ابن أربع عشر سنة، وابن أربع عشرة سنة يكون بالغا «٢» ، وقال:«شهدت الفجار فكنت أنبل على عمومتي»«٣» .
وجوابنا في ذلك: أنّ بني عامر بن صعصعة، طالبوا أهل الحرم من قريش وكنانة، بجريرة البرّاض بن قيس، في قتله عروة الرحّال، وقد علموا أنّهم يطالبون من لم يجن ومن لم يعاون، وأنّ البرّاض بن قيس كان قبل ذلك خليعا مطرودا، فأتوهم إلى حرمهم يلزمونهم ذنب غيرهم، فدافعوا عن أنفسهم، وعن أموالهم، وعن ذراريهم، والفاجر لا يكون المسعيّ عليه، ولذلك أشهد الله تبارك وتعالى نبيّه عليه الصلاة والسلام ذلك الموقف، وبه نصروا كما نصرت العرب على فارس يوم ذي قار، به عليه الصلاة والسلام وبمخرجه. وهذان جوابان واضحان قريبان، والله الموفّق للصواب، وإليه المرجع والمآب.