للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قليلة الشّرب للماء. والأسد كذلك. قال أبو زبيد الطائي [١] : [من المنسرح]

تذبّ عنه كفّ بها رمق ... طيرا عكوفا كزوّر العرس

إذا ونى ونية دلفن له ... فهنّ من والغ ومنتهس [٢]

قال: والطّير لا تلغ، وإنما يلغ الذباب. وجعله من الطّير، وهو وإن كان يطير فليس ذلك من أسمائه. فإذ قد جاز أن يستعير له اسم الطائر، جاز أن يستعير للطير ولغ السّباع فيجعل حسوها ولغا، وقال الشاعر: [من الطويل]

سراع إلى ولغ الدماء رماحهم ... وفي الحرب والهيجاء أسد ضراغم

٧٧٠-[خصلتان محمودتان في الذباب]

قال وفي الذباب خصلتان من الخصال المحمودة:

أمّا إحداهما: فقرب الحيلة لصرف أذاها ودفع مكروهها؛ فمن أراد إخراجها من البيت فليس بينه وبين أن يكون البيت على المقدار الأوّل من الضّياء والكنّ بعد إخراجها مع السّلامة من التأذي بالذبان- إلّا أن يغلق الباب، فإنّهنّ يتبادرن إلى الخروج، ويتسابقن في طلب الضوء والهرب من الظلمة، فإذا أرخي السّتر وفتح الباب عاد الضّوء وسلم أهله من مكروه الذباب، فإن كان في الباب شقّ، وإلّا جافى المغلق أحد البابين عن صاحبه ولم يطبقه عليه إطباقا. وربّما خرجن من الفتح الذي يكون بين أسفل الباب والعتبة. والحيلة في إخراجها والسّلامة من أذاها يسيرة، وليس كذلك البعوض؛ لأنّ البعوض إنما يشتدّ أذاه، ويقوى سلطانه، ويشتدّ كلبه في الظلمة، كما يقوى سلطان الذبان في الضياء، وليس يمكن النّاس أن يدخلوا منازلهم من الضّياء ما يمنع عمل البعوض؛ لأنّ ذلك لا يكون إلّا بإدخال الشّمس، والبعوض لا يكون إلّا في الصيّف، وشمس الصيّف لا صبر عليها. وليس في الأرض ضياء انفصل من الشمس إلّا ومعه نصيبه من الحرّ، وقد يفارق الحرّ الضياء في بعض المواضع، والضّياء لا يفارق الحرّ في مكان من الأماكن.

فإمكان الحيلة في الذباب يسير، وفي البعوض عسير! والفضيلة الأخرى: أنه لولا أن الذّبابة تأكل البعوضة وتطلبها وتلتمسها على وجوه حيطان البيوت، وفي الزوايا، لما كان لأهلها فيها قرار!


[١] ديوان أبي زبيد ٦٤٠، وطبقات ابن سلام ٥١٦، والحماسة الشجرية ٢٧٣، والأول بلا نسبة في اللسان والتاج (عكف) .
[٢] في ديوانه (ولغ السبع والكلب: شرب بطرف لسانه، ونهس اللحم: قبض عليه بمنسره) .

<<  <  ج: ص:  >  >>