للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لحريص على الحياة! ولو كان حين قال إني يوم أقتل جوّابا إنما عنى النهار دون اللّيل، كان عند نفسه إذا قتله تلك القتلة ليلا لم يأثم به. وهذا أيضا كقوله تعالى: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ

[١] .

ولو كان هذا المعنى إنما يقع على ظاهر اللفظ دون المستعمل بين الناس، لكان إذا قال من أوّل الليل: إني فاعل ذلك غدا في السّحر، أو مع الفجر أو قال الغداة:

إني فاعل يومي كلّه، وليلتي كلها، لم يكن عليه حنث، ولم يكن مخالفا إذا لم يستثن، وكان إذن لا يكون مخالفا إلّا فيما وقع عليه اسم غد. فأمّا كلّ ما خالف ذلك في اللّفظ فلا. وليس التّأويل كذلك لأنّه جلّ وعلا إنما ألزم عبده أن يقول: إن شاء الله، ليتّقى عادة التألّي [٢] ولئلا يكون كلامه ولفظه يشبه لفظ المستبدّ والمستغني، وعلى أن يكون عند ذلك ذاكر الله، لأنه عبد مدبّر، ومقلّب ميّسر، ومصرّف مسخّر.

وإذا كان المعنى فيه، والغاية التي جرى إليها اللفظ، إنما هو على ما وصفنا، فليس بين أن يقول أفعل ذلك بعد طرفة، وبين أن يقول أفعل ذلك بعد سنة فرق.

وأمّا قوله: فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ

فليس أنّه كان هنالك ناس قتلوا إخوتهم وندموا فصار هذا القاتل واحدا منهم؛ وإنما ذلك على قوله لآدم وحوّاء عليهما السلام: وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ*

[٣] ، على معنى أن كلّ من صنع صنيعكما فهو ظالم.

٨٣٨-[الاستثناء في القسم]

وعجبت من ناس ينكرون قولنا في الأستثناء، وقد سمعوا الله عزّ وجلّ يقول:

إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ. وَلا يَسْتَثْنُونَ.

فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ. فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ

[٤] ، مع قوله عزّ وجلّ: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ

[٥] .

٨٣٩-[تسمية الغراب ابن دأية]

والعرب تسمّي الغراب ابن دأية، لأنّه إذا وجد دبرة [٦] في ظهر البعير، أو في عنقه


[١] ٢٣/الكهف: ١٨.
[٢] الإلّ: الحلف «القاموس: ألل» .
[٣] ٣٥/البقرة: ٢.
[٤] ١٧- ٢٠/القلم: ٦٨.
[٥] ٢٣/الكهف: ١٨.
[٦] الدبرة: القرحة. «القاموس: دبر» .

<<  <  ج: ص:  >  >>