للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذكرنا قليل من كثير. ومتى لم يعرف ذلك المترجم أخطأ في تأويل كلام الدين.

والخطأ في الدين أضرّ من الخطأ في الرياضة والصناعة، والفلسفة والكيمياء، وفي بعض المعيشة التي يعيش بها بنو آدم.

وإذا كان المترجم الذي قد ترجم لا يكمل لذلك، أخطأ على قدر نقصانه من الكمال. وما علم المترجم بالدليل عن شبه الدليل؟ وما علمه بالأخبار النجوميّة؟ وما علمه بالحدود الخفيّة؟ وما علمه بإصلاح سقطات الكلام، وأسقاط الناسخين للكتب؟ وما علمه ببعض الخطرفة لبعض المقدّمات؟ وقد علمنا أنّ المقدّمات لا بدّ أن تكون اضطراريّة، ولا بدّ أن تكون مرتّبة، وكالخيط الممدود. وابن البطريق وابن قرّة لا يفهمان هذا موصوفا منزّلا، ومرتّبا مفصّلا، من معلّم رفيق، ومن حاذق طبّ فكيف بكتاب قد تداولته اللغات واختلاف الأقلام، وأجناس خطوط الملل والأمم؟! ولو كان الحاذق بلسان اليونانيّين يرمي إلى الحاذق بلسان العربيّة، ثم كان العربيّ مقصّرا عن مقدار بلاغة اليونانيّ، لم يجد المعنى والناقل التقصير، ولم يجد اليونانيّ الذي لم يرض بمقدار بلاغته في لسان العربيّة بدّا من الاغتفار والتجاوز، ثمّ يصير إلى ما يعرض من الآفات لأصناف الناسخين، وذلك أن نسخته لا يعدمها الخطأ، ثمّ ينسخ له من تلك النسخة من يزيده من الخطأ الذي يجده في النسخة.

ثمّ لا ينقص منه؛ ثم يعارض بذلك من يترك ذلك المقدار من الخطأ على حاله، إذا كان ليس من طاقته إصلاح السّقط الذي لا يجده في نسخته.

٤٦-[تحريف الكتب]

ولربّما أراد مؤلّف الكتاب أن يصلح تصحيفا، أو كلمة ساقطة، فيكون إنشاء عشر ورقات من حرّ اللفظ وشريف المعاني، أيسر عليه من إتمام ذلك النقص، حتى يردّه إلى موضعه من اتّصال الكلام، فكيف يطيق ذلك المعرض المستأجر. والحكيم نفسه قد أعجزه هذا الباب! وأعجب من ذلك أنّه يأخذ بأمرين: قد أصلح الفاسد وزاد الصالح صلاحا. ثم يصير هذا الكتاب بعد ذلك نسخة لإنسان آخر، فيسير فيه الورّاق الثاني سيرة الورّاق الأوّل؛ ولا يزال الكتاب تتداوله الأيدي الجانية، والأعراض المفسدة، حتّى يصير غلطا صرفا، وكذبا مصمتا، فما ظنّكم بكتاب تتعاقبه المترجمون بالإفساد، وتتعاوره الخطّاط بشرّ من ذلك أو بمثله، كتاب متقادم الميلاد، دهريّ الصنعة! «١» .

<<  <  ج: ص:  >  >>