الحديث- فنهض نحو الصّوت، فإذا هو بعقرب فتعاورها هو والمثني بنعالهما حتى قتلاها، ثمّ دعوا بماء فصبّاه في القمقم في عشيّتهما، وهو صحيح لا يسيل منه شيء.
فمن تعجّب من ذلك فليصرف بديّا تعجّبه إلى الشيء الذي تقذفه بذنبها العقرب في بدن الإنسان والحمير والبغال، فليفكّر في مقدار ذلك من القلة والكثرة.
فقد زعم لي ناس من أهل العسكر أنّهم وزنوا جرّارة [١] بعد أن ألسعوها فوجدوا وزنها على تحقيق الوزن على مقدار واحد، فإن كان الشيء المقذوف من شكل الشيء الحارّ، فلم قصّرت النّار عن مبلغ عمله؟! وإن كان من شكل الشيء البارد فلم قصّر الثلج عن مبلغ عمله؟! فقد وجب الآن أنّ السمّ ليس يقتل بالحرارة، ولا بالبرودة إذا كان باردا. ولو وجدنا فيما أردنا شيئا بلغ مبلغ الثّلج والنار لذكرناه.
فقد دلّ ما ذكرنا على أنّ جوف النّعامة ليس يذيب الصّخر الأملس بالحرارة، ولكنّه لا بدّ على كلّ حال من مقدار من الحرارة، مع خاصيّات أخر، ليست بذات أسماء، ولا تعرف إلّا بالوهم في الجملة.
وتزعم الهند أنّ السمّ إنما يقتل بالغرابة، وأنّ كلّ شيء غريب خالط جوف حيوان قتله. وقد أبى ذلك ناس فقالوا: وما باله يكون غريبا إذا لاقى العصب واللّحم، وربّما كان عاملا فيهما جميعا. بل ليس يقتل إلّا بالجنس، وليس تحسّ النّفس إلّا بالجنس، ولو كان الذي يميت حسّهما إنّما يميته لأنّه غريب. جاز أيضا أن يكون الحسّاس إنما حسّ لأنه غريب، ولو كان هذا جائزا لقيل في كلّ شيء.
وقال ابن الجهم: لولا أنّ الذهب المائع، والفضّة المائعة، يجمدان إذا صارا في جوف الإنسان. وإذا جمدا لم يجاوزا مكانهما- لكانا من القواتل بالغرابة.
وهذا القول دعوى في النّفس، والنّفس تضيق جدّا. وما قرأت للقدماء في النفس الأجلاد الكثيرة. وإنما يستدلّ ببقاء تلك الكتب على وجه الدّهر إلى يومنا هذا، ونسخ الرّجال لها أمّة بعد أمّة، وعمرا بعد عمر، على جهل أكثر النّاس بالكلام. والمتكلمون يريدون أن يعلموا كلّ شيء، ويأبى الله ذلك. فهذا باب من أعاجيب الظليم.