للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وزعم لي أبو عتّاب الجرّار، أنّه سمع الأكرة يخبرون أنّهم وجدوه قد خرق فلسا بصريّا [١] .

وليس ذلك لشدّة الغمز وحدّة الرأس، ولكنه يكون على قدر ملاقاة الطباع.

ويزعمون أنّ الصّاعقة تسقط في حانوت الصّيقل [٢] فتذيب السّيوف بطبعها، وتدع الأغماد على شبيه بحالها، وتسقط على الرّجل ومعه الدراهم فتسبك الدّراهم، ولا يصيب الرجل أكثر من الموت.

والبحريّون عندنا بالبصرة والأبلّة التي تكون فيها الصّواعق. لا يدعون في صحون دورهم وأعالي سطوحهم، شيئا من الصّفر إلّا رفعوه؛ لأنّها عندهم تنقضّ من أصل مخارجها، على مقدار من محاذاة الأرض، ومقابلة المكان. فإذا كان الصّفر لها ضاحيا، عدلت إليه عن سننها [٣] .

وما أنكر ما قالوا. وقد رأيتهم يستعملون ذلك.

وقد يسقط النّوى في تراب المتوضّإ، فإذا صهرج [٤] نبت، فإذا انتهى إلى الصّاروج أمسك. وإن كان الصّاروج رقيقا فإن قيّر، وجعل غلظه بقدر طول الإبهام، نبت ذلك النّوى حتّى يخرق ذلك القار.

ولو رام رجل خرقه بمسمار أو سكّة، لما بلغ إرادته حتى يشقّ على نفسه.

والذي سخّر هذه الأمور القويّة في مذهب الرّأي وإحساس النّاس، هو الذي سخّر القمقم، والطّيجن [٥] ، والمرجل، والطّست [٦] ، لإبرة العقرب. فما أحصي عدد من أخبرني من الحوّائين، من أهل التّجارب، أنّها ربّما خرجت من جحرها في اللّيل لطلب الطّعم. ولها نشاط وعرام، فتضرب كلّ ما لقيت ولقيها: من حيوان، أو نبات، أو جماد.

وزعم لي خاقان بن صبيح- واستشهد المثنّى بن بشر، وما كان يحتاج خبره إلى شاهد؛ لصدقه- أنّه سمع في داره نقرة وقعت على قمقم- وقد كان سمع بهذا


[١] الفلس: من أجزاء الدرهم.
[٢] الصيقل: من يصقل السيوف، أي يشحذها ويجلوها.
[٣] السنن: الطريق.
[٤] صهرج المتوضأ: عمل بالصاروج، وهو النورة أو أخلاطها.
[٥] الطيجن: المقلى الذي يقلى فيه.
[٦] الطست: الطشت.

<<  <  ج: ص:  >  >>