كان عنده من يبلّغ الرسالة على تمامها، من عفريت، ومن بعض من عنده علم من الكتاب، فرأى أنّ الكتاب أبهى وأنبل، وأكرم وأفخم من الرسالة عن ظهر لسان، وإن أحاط بجميع ما في الكتاب. وقالت ملكة سبأ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ
«١» . فهذا مما يدل على قدر اختيار الكتب.
٦٥-[تسخير الكتابة الأمور الدين والدنيا]
وقد يريد بعض الجلّة الكبار، وبعض الأدباء والحكماء، أن يدعو بعض من يجري مجراه في سلطان أو أدب، إلى مأدبة أو ندام «٢» ، أو خروج إلى متنزّه، أو بعض ما يشبه ذلك، فلو شاء أن يبلّغه الرسول إرادته ومعناه، لأصاب من يحسن الأداء، ويصدق في الإبلاغ، فيرى أنّ الكتاب في ذلك أسرى وأنبه وأبلغ.
ولو شاء النبيّ صلى الله عليه وسلم، ألّا يكتب «٣» الكتب إلى كسرى، وقيصر، والنّجاشيّ، والمقوقس، وإلى ابني الجلندى، وإلى العباهلة من حمير، وإلى هوذة بن علي، وإلى الملوك والعظماء، والسادة النجباء، لفعل، ولوجد المبلّغ المعصوم من الخطأ والتبديل، ولكنّه عليه الصلاة والسلام، علم أنّ الكتاب أشبه بتلك الحال، وأليق بتلك المراتب، وأبلغ في تعظيم ما حواه الكتاب.
ولو شاء الله أن يجعل البشارات على الألسنة بالمرسلين، ولم يودعها الكتب لفعل، ولكنه تعالى وعزّ، علم أن ذلك أتمّ وأكمل، وأجمع وأنبل.
وقد يكتب بعض من له مرتبة في سلطان أو ديانة، إلى بعض من يشاكله، أو يجري مجراه، فلا يرضى بالكتاب حتّى يخزمه ويختمه، وربّما لم يرض بذلك حتى يعنونه ويعظمه، قال الله جلّ وعز: أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى
«٤» فذكر صحف موسى الموجودة، وصحف إبراهيم البائدة المعدومة. ليعرف الناس مقدار النفع، والمصلحة في الكتب.
٦٦-[نظام التوريث عند فلاسفة اليونانية]
قالوا: وكانت فلاسفة اليونانية، تورث البنات العين، وتورث البنين الدين: