وزعم الأصمعيّ عن خلف الأحمر، أنّه قال: رأيت فرخ غراب فلم أر صورة أقبح ولا أسمج ولا أبغض ولا أقذر ولا أنتن منه. وزعم أنّ فراخ الغربان أنتن من الهدهد- على أنّ الهدهد مثل في النّتن- فذكر عظم رأس وصغر بدن، وطول منقار وقصر جناح، وأنّه أمرط أسود، وساقط النّفس، ومنتن الرّيح.
وصاحب المنطق يزعم أنّ رؤية فرخ العقاب أمر صعب، وشيء عسى. ولست أحسن أن أقضى بينهما.
والغربان عندنا بالبصرة أوابد غير قواطع، وهي تفرخ عندنا في رؤوس النّخل الشّامخة، والأشجار العالية.
٤٩٤-[خداع الغراب للديك]
فالغراب عند العرب مع هذا كلّه، قد خدع الدّيك وتلعّب به «١» ، ورهنه عند الخمّار، وتخلّص من الغرم، وأغلقه عند الخمّار، فصار له الغنم وعلى الدّيك الغرم، ثم تركه تركا ضرب به المثل.
فإن كان معنى الخبر على ظاهر لفظه. فالدّيك هو المغبون والمخدوع والمسخور به، ثمّ كان المتلعّب به أنذل الطير وألأمه.
وإن كان هذا القول مهم يجري مجرى الأمثال المضروبة، فلولا أنّ عليا الدّيك في قلوبهم دون محلّ الغراب- على لؤم الغراب ونذالته وموقه وقلّة معرفته- لما وضعوه في هذا الموضع.
٤٩٥-[دهاء أمية بن أبي الصّلت]
فإن أردتم معرفة ذلك فانظروا في أشعارهم المعروفة، وأخباره الصحيحة ثمّ ابدؤوا بقول أميّة بن أبي الصّلت، فقد كان داهية من دواهي ثقيف، وثقيف من دهاة العرب، وقد بلغ من اقتداره في نفسه أنّه قد كان همّ بادّعاء النّبوة، وهو يعلم كيف الخصال التي يكون الرجل بها نبيّا أو متنبّيا إذا اجتمعت له، نعم وحتّى ترشّح «٢» لذلك بطلب الرّوايات، ودرس الكتب، وقد بان عند العرب علّامة، ومعروفا بالجولان في البلاد، راوية.