للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر محمد بن الجهم- فيما خبّرني عنه بعض الثقات- أنه قال لهم ذات يوم: هل تعرفون الحكمة التي استفدناها في الذّباب؟ قالوا: لا.

قال: بلى، إنّها تأكل البعوض وتصيده وتلقطه وتفنيه: وذلك أنّي كنت أريد القائلة [١] ، فأمرت بإخراج الذّباب وطرح السّتر وإغلاق الباب قبل ذلك بساعة. فإذا خرجن حصل في البيت البعوض، في سلطان البعوض وموضع قوّته. فكنت أدخل إلى القائلة [١] فيأكلني البعوص أكلا شديدا. فأتيت ذات يوم المنزل في وقت القائلة [١] ، فإذا ذلك البيت مفتوح، والسّتر مرفوع، وقد كان الغلمان أغفلوا ذلك في يومهم، فلما اضطجعت للقائلة لم أجد من البعوض شيئا وقد كان غضبي اشتدّ على الغلمان، فنمت في عافية. فما كان من الغد عادوا إلى إغلاق الباب وإخراج الذّباب، فدخلت ألتمس القائلة [١] ، فإذا البعوض كثير. ثم أغفلوا إغلاق الباب يوما آخر، فلما رأيته مفتوحا شتمتهم فلمّا صرت إلى القائلة [١] لم أجد بعوضة واحدة، فقلت في نفسي عند ذلك: أراني قد نمت في يومي الإغفال والتّضييع وامتنع منّي النّوم في أيّام التحفّظ والاحتراس. فلم لا أجرّب ترك إغلاق الباب في يومي هذا. فإن نمت ثلاثة أيام لا ألقى من البعوض أذى مع فتح الباب، علمت أنّ الصّواب في الجمع بين الذّبان وبين البعوض؛ فإنّ الذّبّان هي التي تفنيه، وأنّ صلاح أمرنا في تقريب ما كنّا نباعد.

ففعلت ذلك، فإذا الأمر قد تمّ. فصرنا إذا أردنا إخراج الذّبّان أخرجناها بأيسر حيلة، وإذا أردنا إفناء البعوض أفنيناها على أيدي الذّبّان بأيسر حيلة.

فهاتان خصلتان من مناقب الذّبّان.

٧٧٦-[طبّ القوابل والعجائز]

وكان محمد بن الجهم يقول [٢] : لا تتهاونوا بكثير ممّا ترون من علاج القوابل والعجائز، فإنّ كثيرا من ذلك إنما وقع إليهنّ من قدماء الأطباء؛ كالذّبان يلقى في الإثمد ويسحق معه، فيزيد ذلك في نور البصر، ونفاذ النظر، وفي تشديد مراكز شعر الأشفار [٣] في حافات الجفون.


[١] القائلة: النوم في نصف النهار «القاموس: قيل» .
[٢] ورد الخبر في عيون الأخبار ٢/١٠٤، والعقد الفريد ٦/٢٤٥.
[٣] الأشفار: جمع شفر، وهو أصل منبت الشعر في الجفن «القاموس: شفر» .

<<  <  ج: ص:  >  >>