وكانت الآلة قائمة أليس في أنّي لم أذق حيوانا منذ ثمانين سنة ولم تمتل عروقي من الشراب مخافة الزيادة في الشهوة. والنقصان من العزم- أليس في ذلك ما يقطع الدواعي، ويسكن الحركة إن هاجت؟! قال: قلنا: صدقت. قال: فإنّي بعد جميع ما وصفت لكم، لأسمع نغمة المرأة فأظنّ مرّة أنّ كبدي قد ذابت، وأظنّ مرّة أنها قد انصدعت، وأظنّ مرّة أنّ عقلي قد اختلس، وربّما اضطرب فؤادي عند ضحك إحداهنّ، حتّى أظنّ أنّه قد خرج من فمي، فكيف ألوم عليهنّ غيري؟! فإن كان- حفظك الله تعالى- قد صدق على نفسه في تلك الحال، بعد أن اجتمعت فيه هذه الخصال، فما ظنّك بهذا قبل هذا الوقت بنحو ستّين سنة أو سبعين سنة؟! وما ظنّك به قبل الخصاء بساعة؟! وليس في الاستطاعة ولا في صفة الإمكان، أن يحتجز عن إرادة النساء، ومعه من الحاجة إليهنّ والشهوة لهنّ هذا المقدار! الله تعالى أرحم بخلقه، وأعدل على عباده، من أن يكلّفهم هجران شيء، قد وصله بقلوبهم هذا الوصل، وأكّده هذا التأكيد.
وقد خصى نفسه من الصابئين رجال، قد عرفناهم بأسمائهم وأنسابهم، وصفاتهم وأحاديثهم. وفي الذي ذكرنا كفاية إن شاء الله تعالى.
٨٩-[استئذان عثمان بن مظعون في الخصاء]
وقد ذكر أنّ عثمان بن مظعون، استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في السياحة فقال:«سياحة أمّتي الجماعة»«١» . واستأذنه في الخصاء فقال:«خصاء أمّتي الصوم، والصوم وجاء»«٢» . فهذا خصاء الديانة.
٩٠-[خصاء الجلب]
فأمّا من خصى الجلب «٣» على جهة التجارة، فإنه يجبّ القضيب، ويمتلخ الأنثيين، إلا أن تقلّصت إحداهما من فرط الفزع، فتصير إلى موضع لا يمكن ردّها إلا بعلاج طويل، فللخاصي عند ذلك ظلم لا يفي به ظلم، وظلم يربي على كلّ ظلم، لأنّه عند ذلك لا يحفل بفوت المتقلّص، ويقطع ما ظهر له، فإن برئ مجبوب القضيب أو ذا بيضة واحدة، فقد تركه لا امرأة ولا رجلا ولا خصيّا، وهو حينئذ ممّن تخرج لحيته، وممّن لا يدعه الناس في دورهم ومواضع الخصوص من بيوتهم، فلا