وقالوا: ليس قطع الألية كالمجثّمة وكالشيء المصبور، وقد نهينا عن إحراق الهوامّ، وقيل لنا: لا تعذّبوا بعذاب الله تعالى، والميسم نار، وقطع الألية من شكل قطع العروق، وصاحب المجثّمة يقدر أن يرمي- إن كان به تعلّم الرماية- شيئا لا يألم ولم ينه عن تعذيبه، فما يردّ الشيء المصبور من العذاب مردّا بوجه من الوجوه.
١٣٢-[القول في نقص بعض أجزاء الحيوان أو نقضها أو إيلامها]
وقال آخرون: ليس لك أن تحدث في جميع الحيوان حدثا من نقض أو نقص أو إيلام، لأنك لا تملك النشأة، ولا يمكنك التعويض له، فإذا أذن لك مالك العين، بل مخترعه ومنشئ ذاته والقادر على تعويضه، وهو الله عزّ وجلّ، حلّ لك من ذلك ما كان لا يحلّ. وليس لك في حجّة العقل أن تصنع بها إلّا ما كان به مصلحة، كعلاج الدّبر وكالبيطرة.
وقال آخرون: لنا أن نصنع كلّ ما كان يصنع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده، ممّا لم يكن مدفوعا عند بعضهم، إلّا أن يكون نهي ذلك البعض من جماعتهم، في طريق الخلاف والردّ والمفارقة ولا يكون عندهم قولا من الأقاويل، فإنّ ذلك في سبيل العلاج بعد أن كان المتكلّف يعرف وجه الملام. والمذهب في ذلك معروف وإن كان خارجا من ذلك الحدّ، فقد علمنا أنّه أبيح من طريق التعبّد والمحنة، كما جعل الله تعالى لنا ما أحلّ ذبحه من البهائم، وكما جعل لنا أن نقتل القمل والبراغيث والبعوض، وإن لم يكن منها إلّا مقدار الأذى فقط. والقتل لا يكون قصاصا من الأذى، ولكن لمّا أباح لنا خالق الشيء والقادر على تعويضه قتله، كان قتله أسوغ في العقل مع الأذى، من ذبح البهيمة مع السلامة من الأذى.
قال: وليس كل مؤذ ولا كل ذي أذى حكم الله تعالى فيه بإباحة القتل، والله عزّ وجلّ، بمقادير الأمور وبحكم المختلف والمتّفق، والقليل من ذلك والكثير، أحكم وأعلم.
وقد أمر الله تعالى إبراهيم عليه الصلاة والسلام، بذبح إسحاق أو إسماعيل عليهما الصلاة والسلام، فأطاع الوالد وطاوع الولد «١» .