للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالعلماء الذين اتّسعوا في علم العرب، حتى صاروا إذا أخبروا عنهم بخبر كانوا الثّقات فيما بيننا وبينهم، هم الذين نقلوا إلينا. وسواء علينا جعلوه كلاما وحديثا منثورا، أو جعلوه رجزا وقصيدا موزونا.

ومتى أخبرني بعض هؤلاء بخبر لم أستظهر عليه بمسألة الأعراب. ولكنه إن تكلم وتحدّث، فأنكرت في كلامه بعض الإعراب، لم أجعل ذلك قدوة حتى أوقفه عليه، لأنّه ممّن لا يؤمن عليه اللّحن الخفيّ قبل التفكر. فهذا وما أشبهه حكمه خلاف الأوّل.

١٠٩٣-[ضروب من الرّقية]

والرّقية تكون على ضروب: فمنها الذي يدّعيه الحوّاء والرّقّاء؛ وذلك يشبه بالذي يدّعي ناس من العزائم على الشياطين والجن، وذلك أنهم يزعمون أن في تلك الرّقية عزيمة لا يمتنع منها الشيطان، فكيف العامر [١] ؟! وأن العامر إذا سئل بها أجاب، فيكون هو الذي يتولى إخراج الحيات من الصّخر. فإن كان الأمر على ما قالوا فما ينبغي أن يكون بين خروج الأفاعي الصمّ وغيرها فرق، إذا كانت العزائم والرّقى والنّفث ليس شيئا يعمل في نفس الحيّة، وإنّما هو شيء يعمل في الذي يخرج الحيّة.

وإذا كان ذلك كذلك فالسّميع والأصمّ فيه سواء.

وكذلك يقولون في التّحبيب والتّبغيض، وفي النّشرة وحلّ العقدة، وفي التّعقيد والتحليل.

ويزعمون أنّ الجن لا تجيب صاحب العزيمة حتى يتوحّش ويأتي الخرابات والبراريّ، ولا يأنس بالناس، ويتشبّه بالجنّ، ويغسل بالماء القراح [٢] ، ويتبخّر باللّبان الذّكر، ويراعي المشتري فإذا دقّ ولطف، وتوحّش وعزم، أجابته الجنّ، وذلك بعد أن يكون بدنه يصلح هيكلا لها، وحتّى يلذّ دخوله وادي منازلها، وألّا يكره ملابسته والكون فيه. فإن هو ألحّ عليها بالعزائم، ولم يأخذ لذلك أهبته خبلته، وربّما قتلته، لأنها تظنّ أنّه متى توحّش لها، واحتمى، وتنظف فقد فرغ. وهي لا تجيب بذلك فقط، حتى يكون المعزّم مشاكلا لها في الطّباع.

فيزعمون أنّ الحيّات إنما تخرج إخراجا، وأنّ الذي يخرجها هو الذي يخرج سمومها من أجساد النّاس، إذا عزم عليها.


[١] يزعمون أن العامر هم من الجن الذين يسكنون بيوت الناس.
[٢] القراح: الخالص. (القاموس: قرح) .

<<  <  ج: ص:  >  >>