للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكلب. فلمّا شبّ عدا على شاة له فقتلها وأكل لحمها، فقال الأعرابيّ [١] : [من الوافر]

أكلت شويهتي وربيت فينا ... فمن أدراك أنّ أباك ذيب

فالذئب وجرو الذئب إذا كانا سبعين وحشيّين كانا ثمّ من أشدّ الوحش توحّشا وألزمها للقفار، وأبعدها من العمران.

والذّئب أغدر من الخنزير والخنّوص [٢] وهما بهيمتان.

٩٨٠-[ضرر الخنزير]

وأمّا ضرره وإفساده، فما ظنّك بشيء يتمنّى له الأسد؟! وذلك أن الخنازير إذا كانت بقرب ضياع قوم، هلكت تلك الضّياع، وفسدت تلك الغلّات. وربّما طلب الخنزير بعض العروق المدفونة في الأرض فيخرّب مائة جريب، ونابه ليس يغلبه معول. فإذا اشتدّ عليهم البلاء تمنّوا أن يصير في جنبتهم أسد. ولربّما صار في ضياعهم الأسد فلا يهيجونه، ولا يؤذونه، ولو ذهب إنسان ليحفر له زبية منعوه أشدّ المنع؛ إذ كان ربّما حمى جانبهم من الخنازير فقط. فما ظنّك بإفسادها، وما ظنّك ببهيمة يتمنّى أن يكون بدلها أسد؟! ثمّ مع ذلك إذا اجتمعوا للخنازير بالسّلاح، وبالآلات والأدوات التي تقتل بها، فربّما قتل الرّجل منهم، أو عقره العقر الذي لا يندمل؛ لأنّه لا يضرب بنابه شيئا إلّا قطعه، كائنا ما كان. فلو قتلوا في كلّ يوم منها مائة وقتلت في كلّ يوم إنسانا واحدا، لما كان في ذلك عوض.

والخنازير تطلب العذرة، وليست كالجلّالة [٣] ؛ لأنها تطلب أحرّها وأرطبها وأنتنها، وأقربها عهدا بالخروج. فهي في القرى تعرف أوقات الصّبح والفجر، وقبل ذلك وبعده؛ لبروز النّاس للغائط. فيعرف من كان في بيته نائما في الأسحار ومع الصّبح، أنّه قد أسحر وأصبح، بأصواتها ومرورها، ووقع أرجلها في تلك الغيطان، وتلك المتبرّزات. وبذلك ضربوا المثل ببكور الخنزير، كما ضربوا المثل بحذر الغراب وروغان الثّعلب.


[١] الخبر والبيت في عيون الأخبار ٢/٥، وثمار القلوب (٥٨١) ، ومجمع الأمثال ١/٤٤٦، والمستقصى ١/٢٣٣، وجمهرة الأمثال ٢/٣٠، والدرة الفاخرة ٢٩٤، والتذكرة الحمدونية ٢/٢٤٨، ومحاضرات الأدباء ١/١٢٢ (١/٢٤٩) .
[٢] الخنوص: ولد الخنزير. (القاموس: خنص) .
[٣] الجلّالة: البقرة تتبع النجاسات، والجلة: البعرة. (القاموس: جلل) .

<<  <  ج: ص:  >  >>