للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السّرور، وحنين الإلف. ثمّ لم ألبث أن رأيت الخادم طالعا علينا، وإنّ الكلب ليلتفّ على ساقيه، ويرتفع إلى فخذيه، وينظر في وجهه، ويصيح صياحا يستبين فيه الفرح.

ولقد بلغ من إفراط سروره أنّي ظننت أنّه عرض «١» . ثمّ كان بعد ذلك يغيب الشّهرين والثلاثة، أو يمضي إلى بغداد ثم يرجع إلى العسكر بعد أيّام، فأعرف بذلك الضّرب من البصبصة «٢» ، وبذلك النوع من النّباح، أنّ الخادم قدم. حتّى قلت لبعض من عندي: ينبغي أن يكون فلان قد قدم، وهو داخل عليكم مع الكلب.

وزعم لي أنّه ربّما ألقي لهذا الجرو إلى أن صار كلبا تامّا، بعض الطعام فيأكل منه ما أكل، ثم يمضي بالباقي فيخبؤه. وربّما ألقي إليه الشيء وهو شبعان فيحتمله، حتّى يأتي به بعض المخابئ فيضعه هناك، حتّى إذا جاع رجع إليه فأكله «٣» .

٣٤٤-[أدب الكلب]

وزعم لي غلماني وغيرهم من أهل الدّرب، أنّه كان ينبح على كلّ راكب يدخل الدرب إلى عراقيب برذونه، سائسا كان أو صاحب دابّة إلّا أنّه كان إذا رأى محمد بن عبد الملك داخلا إلى باب الدرب أو خارجا منه، لم ينبح البتّة، لا عليه ولا على دابّته، بل كان لا يقف له على الباب ولا على الطريق، ولكنّه يدخل الدّهليز سريعا، فسألت عن ذلك فبلغني أنه كان إذا أقبل صاح به الخادم، وأهوى له بالضّرب، فيدخل الدّهليز، وأنه ما فعل ذلك به إلّا ثلاث مرار، حتّى صار إذا رأى محمّد بن عبد الملك، دخل الدّهليز من تلقاء نفسه، فإذا جاوز وثب على عراقيب دوابّ الشاكريّة «٤» .

ورأيت هذا الخبر عندهم مشهورا.

قال: وكنّا إذا تغدّينا دنا من الخوان فزجرناه مرّة أو مرّتين، فكان لا يقربنا، لمكان الزّجر، ولا يبعد عن الخوان لعلّة الطمع، فإن ألقينا إليه شيئا أكله ثمّ، ودنا من أجل ذلك بعض الدّنوّ. فكنّا نستظهر عليه، فنرمي باللّقمة فوق مربضه بأذرع. فإذا أكلها ازداد في الطّمع، فقرّبه ذلك من الخوان، ثمّ يجوز موضعه الذي كان فيه. ولولا ما كنا نقصد إليه من امتحان ما عنده، ليصير ما يظهر لنا حديثا، لكان إطعام الكلب والسّنّور من الخوان خطأ من وجوه: أوّلها أن يكون يصير له به دربة، حتّى إنّ منها ما يمدّ يده إلى ما على المائدة حتّى ربما تناول بفيه ما عليها، وربّما قاء الذي يأكل

<<  <  ج: ص:  >  >>