للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صاحبه، انصدع البيض عن الفرخ، فخرج عاري الجلد، صغير الجناح، قليل الحيلة، منسدّ الحلقوم. فيعينانه على خلاصه من قيضه [١] وترويحه من ضيق هوّته [٢] .

٦٣٩-[عناية الحمام بالفراخ]

وهما يعلمان أن الفرخين لا تتّسع حلوقهما وحواصلهما للغذاء، فلا يكون لهما عند ذلك همّ إلّا أن ينفخا في حلوقهما الريح، لتتسع الحوصلة بعد التحامها، وتنفتق بعد ارتتاقها، ثم يعلمان أنّ الفرخ وإن اتّسعت حوصلته شيئا، أنّه لا يحتمل في أول اغتذائه أن يزقّ بالطّعم، فيزقّ عند ذلك باللّعاب المختلط بقواهما وقوى الطعم- وهم يسمّون ذلك اللّعاب اللّباء- ثم يعلمان أنّ طبع حوصلته يرق عن استمراء الغذاء وهضم الطّعم، وأنّ الحوصلة تحتاج إلى دبغ وتقوية، وتحتاج إلى أن يكون لها بعض المتانة والصلابة، فيأكلن من شورج أصول الحيطان، وهو شيء بين الملح الخالص وبين التّراب الملح، فيزقّان الفرخ حتّى إذا علما أنّه قد اندبغ واشتدّ زقّاه بالحبّ الذي قد غبّ في حواصلهما ثم زقّاه بعد ذلك بالحبّ الذي هو أقوى وأطرى [٣] . فلا يزلان يزقّانه بالحبّ والماء على مقدار قوّته ومبلغ طاقته، وهو يطلب ذلك منهما، ويبضّ [٤] نحوهما؛ حتى إذا علما أنّه قد أطاق اللقط منعاه بعض المنع، ليحتاج إلى اللقط فيتعوّده، حتى إذا علما أن أداته قد تمّت، وأن أسبابه قد اجتمعت وأنّهما إن فطماه فطما مقطوعا مجذوذا قوي على اللّقط، وبلغ لنفسه منتهى حاجته- ضرباه إذا سألهما الكفاية، ونفياه متى رجع إليهما ثمّ تنزع عنهما تلك الرحمة العجيبة منهما له، وينسيان ذلك العطف المتمكّن عليه، ويذهلان عن تلك الأثرة له، والكدّ المضني من الغدوّ عليه، والرّواح إليه، ثم يبتديان العمل ابتداء ثانيا، على ذلك النظام وعلى تلك المقدّمات.

فسبحان من عرّفهما وألهمهما، وهداهما، وجعلهما دلالة لمن استدلّ، ومخبرا صادقا لمن استخبر، ذلكم الله رب العالمين.

٦٤٠-[حالات الطّعم الذي يصير في أجواف الحيوان]

وما أعجب حالات الطّعم الذي يصير في أجواف الحيوان، وكيف تتصرّف به


[١] القيض: القشرة العليا اليابسة على البيضة «القاموس: قيض» .
[٢] الهوّة: الكوة، وهي الخرق في الحائط، والثقب في البيت «القاموس: الهوة، الكوة» .
[٣] عيون الأخبار ٢/٩١.
[٤] البضّ: أن يسأل عن الحاجة فيتمطق بشفتيه «القاموس: بض» .

<<  <  ج: ص:  >  >>