للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يقول العاشق لمعشوقته: يا معذّبتي! وقد عذّبتني! ومن العذاب ما يكون طويلا، ومنه ما يكون قصير الوقت. ولو خسف الله تعالى بقوم في أقلّ من عشر ساعة لجاز لقائل أن يقول: كان ذلك يوم أحلّ الله عذابه ونقمته ببلاد كذا وكذا.

١٠٠٦-[القول في الخنزير]

وقال أبو ناصرة: الخنزير ربّما قتل الأسد، وما أكثر ما يلحق بصاحب السّيف والرّمح، فيضربه بنابه، فيقطع كلّ ما لقيه من جسده: من عظم وعصب، حتى يقتله.

وربّما احتال أن ينبطح على وجهه على الأرض، فلا يغني ذلك عنه شيئا.

وليس لشيء من الحيوان كاحتمال بدنه لوقع السهام، ونفوذها فيه.

وهو مع ذلك أروغ من ثعلب، إذا أراده الفارس. وإذا عدا أطمع في نفسه كلّ شيء، وإذا طولب أعيا الخيل العتاق. والخنزير مع ذلك أنسل الخلق؛ لأنّ الخنزيرة تضع عشرين خنّوصا، وهو مع كثرة إنساله- من أقوى الفحول على السّفاد، ومع القوّة على السّفاد هو أطولها مكثا في سفاده، فهو بذلك أجمع للفحولة.

وإذا كان الكلب والذّئب موصوفين بشدّة القلب؛ لطول الخطم، فالخنزير أولى بذلك.

وللفيل ناب عجيب، ولكنّه لقصر عنقه لا يبلغ النّاب مبلغا، وإنّما يستعين بخرطومه، وخرطومه هو أنفه، والخطم غير الخرطوم.

قال أبو ناصرة: وله طيب، وهو طيب لحمه ولحم أولاده. وإذا أرادوا وصف اختلاط ودك الكركيّ [١] في مرق طبيخ، قالوا كأنّ إهالته إهالة [٢] خنزير؛ لأنّه لا يسرع إليها الجمود. وسرعة جمود إهالة الماعز في الشّتاء عيب. وللضّأن في ذلك بعض الفضيلة على الماعز؛ ولا يلحق بالخنزير.

وإذا نقص من الإنسان عظم واحتيج إلى صلته في بعض الأمراض لم يلتحم به إلّا عظم الخنزير.

وإذا ضرب فصاح لم يكن السّامع يفصل بين صوته وبين صوت صبيّ مضروب.


[١] الودك: الدسم (القاموس: ودك) . الكركي: طائر كبير، أغبر؛ طويل الساقين. (حياة الحيوان ٢/٢٤٤) .
[٢] الإهالة: الشحم. (القاموس: هال) .

<<  <  ج: ص:  >  >>