فللعرب أمثال واشتقاقات وأبنية، وموضع كلام يدلّ عندهم على معانيهم وإرادتهم، ولتلك الألفاظ مواضع أخر، ولها حينئذ دلالات أخر، فمن لم يعرفها جهل تأويل الكتاب والسّنّة، والشاهد والمثل، فإذا نظر في الكلام وفي ضروب من العلم، وليس هو من أهل هذا الشأن، هلك وأهلك.
١٢٢-[الإبل الوحشية]
وزعم ناس أنّ من الإبل وحشيّا وكذلك الخيل، وقاسوا ذلك على الحمير والسّنانير والحمام وغير ذلك، فزعموا أنّ تلك الإبل تسكن أرض وبار، لأنّها غير مسكونة، ولأنّ الحيوان كلّما اشتدّت وحشيّته كان للخلاء أطلب. قالوا: وربّما خرج الجمل منها لبعض ما يعرض، فيضرب في أدنى هجمة من الإبل الأهلية. قالوا:
فالمهريّة من ذلك النّتاج.
وقال آخرون: هذه الإبل الوحشيّة هي الحوش، وهي التي من بقايا إبل وبار، فلمّا أهلكهم الله تعالى كما أهلك الأمم مثل عاد وثمود والعمالقة وطسم وجديس وجاسم، بقيت إبلهم في أماكنهم التي لا يطورها إنسيّ فإن سقط إلى تلك الجيزة بعض الخلعاء، أو بعض من أضلّ الطريق حثت الجنّ في وجهه، فإن ألحّ خبلته، فضربت هذه الحوش في العمانيّة، فجاءت هذه المهريّة، وهذه العسجديّة التي تسمى الذهبيّة.
وأنشدني سعدان المكفوف عن أبي العميثل قول الراجز:[من الرجز]
ما ذمّ إبلي عجم ولا عرب ... جلودها مثل طواويس الذّهب
وقال الآخر:[من الوافر]
إذا اصطكّت بضيق حجرتاها ... تلاقى العسجديّة واللّطيم «١»