للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والكراهية له أو السّرور به بقدر ما حرّك النّفس منه. فإذا رأيت الغالب عليها الدنوّ منهنّ، والتأمّل لهن، فأدخل عليها امرأة مجرّبة غزلة تأنس بها، وتفطنها لصنيعهنّ، وتعجّبها منهنّ، وتستميل فكرتها إليهنّ، وتصف لها موقع اللّذّة على قدر ما ترى من تحريك الشّهوة. ثمّ أخرج المرأة عنها، وحاول الدّنو منها، فإن رأيت كراهية أمسكت وأعدت المرأة إليها، فإنها لا تلبث أن تمكنك. فإن فعلت ما تحبّ وأمكنتك بعض الإمكان، ولم تبلغ ما تريد فأخبرني بذلك.

قال: وقلت له: مر المرأة فلتسألها عن حالها في نفسها، وحالك عندها، فلعلّ فيها طبيعة من الحياء تمنعها من الانبساط، ولعلّها غرّ لا يلتمس ما قبلها من الخرق [١] . ففعل، وأمر المرأة أن تكشفها عن ذات نفسها، فشكت إليها الخرق [١] ، فأشارت عليها بالمتابعة، وقالت: اعتبري بما ترين من هذا الحمام؛ فقد ترين الزّوجين كيف يصنعان! قالت: قد تأمّلت ذلك فعجبت منه، ولست أحسنه! فقالت لها: لا تمنعي يده ولا تحملي على نفسك الهيبة، وإن وجدت من نفسك شيئا تدعوك إليه لذّة فاصنعيه؛ فإنّ ذلك يأخذ بقلبه، ويزيد في محبّتك، ويحرّك ذلك منه أكثر مما أعطاك. فلم يلبث أن نال حاجته وذهبت الحشمة، وسقطت المداراة فكان سبب الصّنع لهما، والخروج من الوحشة إلى الأنس، ومن الحال الدّاعية إلى مفارقتها إلى الحال الدّاعية إلى ملازمتها، والضّنّ بها- الحمام.

٧٤٥-[الخوف على النساء من الحمام]

وما أكثر من الرّجال، من ليس يمنعه من إدخال الحمام إلى نسائه الّا هذا الشيء الذي حثّ عليه صاحب الفراسة؛ وذلك أنّ تلك الرّؤية قد تذكّر وتشهّي وتمحن [٢] .

وأكثر النّساء بين ثلاثة أحوال: إمّا امرأة قد مات زوجها، فتحريك طباعها خطار بأمانتها وعفافها. والمغيبة [٣] في مثل هذا المعنى. والثّالثة: امرأة قد طال لبثها مع زوجها؛ فقد ذهب الاستطراف، وماتت الشهوة. وإذا رأت ذلك تحرّك منها كلّ ساكن وذكرت ما كانت عنه بمندوحة.

والمرأة سليمة الدين والعرض والقلب، ما لم تهجس في صدرها الخواطر، ولم تتوهّم حالات اللّذّة وتحرّك الشهوة. فأمّا إذا وقع ذلك فعزمها أضعف العزم، وعزمها على ركوب الهوى أقوى العزم.


[١] الخرق: الدّهش من خوف أو حياء «القاموس: خرق» .
[٢] تمحن: تصيب بالمحن والبلية.
[٣] امرأة مغيّبة: غاب عنها زوجها «القاموس: غيب» .

<<  <  ج: ص:  >  >>