للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٥٩-[بكاء العرب من الهجاء]

ولأمر ما بكت العرب بالدموع الغزار من وقع الهجاء، وهذا من أوّل كرمها، كما بكى مخارق بن شهاب، وكما بكى علقمة بن علاثة، وكما بكى عبد الله بن جدعان من بيت لخداش «١» بن زهير. وما زال يهجوه من غير أن يكون رآه، ولو كان رآه ورأى جماله وبهاءه ونبله والذي يقع في النفوس من تفضيله ومحبته ومن إجلاله والرقة عليه أمسك. ألا ترى أن النّبيت وغسّان بن مالك بن عمرو بن تميم «٢» ، ليس يعرفهم بالعجز والقلّة إلّا دغفل بن حنظلة، وإلّا النخّار العذريّ وإلا ابن الكيّس النمريّ، وإلّا صحار العبدي، وإلّا ابن شريّة وأبو السّطّاح وأشباههم ومن شابه طريقهم والاقتباس من مواريثهم، وقد سلموا على العامة وحصلوا نسب العرب فالرجل منهم عربي تميمي، فهو يعطي حقّ القوم في الجملة ولا يقتضي ما عليه وعلى رهطه في الخاصّة. والحرمان أسوأ حالا في العامة من هذه القبائل الخاملة وهم أعدّ وأجلد.

٢٦٠-[سبب خمول القبائل]

وبليّة أخرى: أن يكون القبيل متقادم الميلاد، قليل الذلة قليل السيادة، وتهيّأ أن يصير في ولد إخوتهم الشرف الكامل والعدد التامّ، فيستبين لمكانهم منهم من قلتهم وضعفهم لكلّ من رآهم أو سمع بهم، أضعاف الذي هم عليه لو لم يكونوا ابتلوا بشرف إخوتهم.

ومن شؤم الإخوة أنّ شرفهم ضعة إخوتهم، ومن يمن الأولاد أنّ شرفهم شرف من قبلهم من آبائهم ومن بعدهم من أولادهم: كعبد الله بن دارم وجرير بن دارم. فلو أنّ الفقيم لم يناسب عبد الله بن دارم وكان جاراً، كان خيراً له.

ولقد ضعضعت قريش- لما جاءت به من الخصال الشريفة التامّة؛ من أركان كنانة- سنام الأرض وجبلها وعينها التي تبصربها، وأنفها التي بها تعطس، فما ظنّك بمن أبصر بني زيد بن عبد الله بن دارم، وبني نهشل بن دارم، وبني مجاشع بن دارم، ثمّ رأى بني فقيم بن جرير بن دارم؟! وكذلك كلّ أخوين إذا برع أحدهما وسبق وعلا الرّجال؛ في الجود والإفضال،

<<  <  ج: ص:  >  >>