للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول بعض الحذّاق: إنّ سقي التّرياق بعد النهش بساعة أو ساعتين موت المنهوش.

ثم قلت له: وما علّمك؟ وبأيّ سبب أيقنت أنها تمجّ من جوف نابها شيئا؟! ولعله ليس هنالك إلّا مخالطة جوهر ذلك النّاب لدم الإنسان! أولسنا قد نجد من الإنسان من يعضّ صاحبه فيقتله، ويكون معروفا بذلك؟! وقد تقرّون أنّ الهنديّة والثّعبان يقتلان، إمّا بمخالطة الرّيق الدم، وإمّا بمخالطة السّنّ الدّم، من غير أن تدّعوا أنّ أسنانهما مجوّفة. وقد أجمع جميع أصحاب التجارب أنّ الحيّة تضرب بقصبة فتكون أشدّ عليها من العصا. وقد يضرب الرجل على جسده بقضبان اللّوز وقضبان الرّمان، وقضبان اللّوز أعلك [١] وألدن، ولكنّها أسلم، وقضبان الرّمّان أخفّ وأسخف ولكنها أعطب.

وقد يطأ الإنسان على عظم حيّة أو إبرة عقرب، وهما ميتتان، فيلقى الجهد.

وقد يخرج السّكّين من الكير وهو محمى، فيغمس في اللبن فمتى خالط الدّم قام مقام السمّ، من غير أن يكون مجّ في الدّم رطوبة غليظة أو رقيقة.

وبعض الحجارة يكوى بها- وهو رخو- الأورام حتى يفرقها ويحمصها [٢] من غير أن يكون نفذ إليها شيء منه، وليس إلّا الملاقاة.

قلت: ولعلّ قوى قد انفصلت من أنياب الأفاعي إلى دماء النّاس. وقد رووا أنّه قيل لجالينوس: إنّ ها هنا رجلا يرقي العقارب فتموت، أو تنحلّ فلا تعمل، فرآه يرقيها ويتفل عليها، فدعا به بحضرة جماعة وهو على الرّيق، ودعا بغدائه فتغدّى معه، ثمّ دعي له بالعقارب فتفل عليها، فلم يجد لعابه يصنع شيئا إلّا أن يكون ريقا.

وهو حديث يدور بين أهل الطبّ، وأنت طبيب. فلم أره في يومه ذلك قال شيئا إلّا من طريق الحزر والحدس، والبلاغات.

١٠٣٢-[سموم الحيات والعقارب]

وسموم الحيّات ذوات الأنياب، والعقارب ذوات الإبر، إنما تعمل في الدّم بالإجماد والإذابة. وكذا سموم ذوات الشعر والقرون والجمّ، إنما تعمل في العصب، ومنها ما يعمل في الدم.


[١] أعلك: أشد وأمتن، وطعام عالك: متين الممضغة. (القاموس: علك) .
[٢] انحمص: انقبض وتضاءل. (القاموس: حمص) .

<<  <  ج: ص:  >  >>