ولما قال معبد في قتل الكلب، وتلا قول الله عزّ وجلّ: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ. وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ
«١» ، قال أبو إسحاق: وإن كنت إنّما جعلت الكلب شرّ الخلق بهذه العلّة، فقد قال على نسق هذا الكلام: وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ
«٢» ، فالذي قال في الإبل والبقر والغنم أعظم، فأسقط من أقدارها بقدر معنى الكلام.
وأدنى ذلك أن تشرك بين الجميع في الذمّ فإنّك متى أنصفت في هذا الوجه، دعاك ذلك إلى أن تنصفها في تتبّع ما لها من الأشعار والأمثال والأخبار والآيات، كما تتبّعت ما عليها.
٢٥٤-[الشرف والخمول في القبائل]
وقال صاحب الكلب: سنضرب مثلا بيننا يكون عدلا: إذا استوى القبيلان في تقادم الميلاد ثم كان أحد الأبوين كثير الذرء «٣» والفرسان والحكماء والأجواد والشعراء، وكثير السادات في العشائر، وكثير الرؤساء في الأرحاء «٤» وكان الآخر قليل الذّرء والعدد، ولم يكن فيهم خير كثير ولا شر كثير، خملوا أو دخلوا في غمار العرب، وغرقوا في معظم الناس، وكانوا من المغمورين ومن المغمورين ومن المنسيّين، فسلموا من ضروب الهجاء ومن أكثر ذلك، وسلموا من أن يضرب بهم المثل في قلّة ونذالة إذا لم يكن شرّ، وكان محلّهم من القلوب محلّ من لا يغبط الشعراء، ولا يحسدهم الأكفاء؛ وكانوا كما قال حميد بن ثور:[من الطويل]
وقولا إذا جاوزتما أرض عامر ... وجاوزتما الحيّين نهدا وخثعما «٥»
نزيعان من جرم بن ربّان إنّهم ... أبوا أن يريقوا في الهزاهز محجما
وإذا تقادم الميلاد ولم يكن الذّرء وكان فيهم خير كثير وشرّ كثير، ومثالب