للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٩٩٩-[القول في المسخ]

وقد قال النّاس في المسخ بأقاويل مختلفة: فمنهم من زعم أنّ المسخ لا يتناسل ولا يبقى إلّا بقدر ما يكون موعظة وعبرة، فقطعوا على ذلك الشهادة. ومنهم من زعم أنّه يبقى ويتناسل، حتى جعل الضّبّ والجرّيّ، والأرانب، والكلاب وغير ذلك، من أولاد تلك الأمم التي مسخت في هذه الصّور. وكذلك قولهم في الحيّات.

وقالوا في الوزغ: إن أباها، لمّا صنع في نار إبراهيم وبيت المقدس ما صنع، أصمّه الله وأبرصه، فقيل: «سامّ أبرص» . فهذا الذي نرى هو من ولده؛ حتّى صار في قتله الأجر العظيم، ليس على أنّ الذي يقتله كالذي يقتل الأسد والذّئاب، إذا خافها على المسلمين.

وقالوا في سهيل، وفي الزّهرة، وفي هاروت وماروت، وفي قيرى وعيرى أبوي ذي القرنين، وجرهم، ما قالوا.

فأمّا القول في نفس المسخ فإنّ النّاس اختلفوا في ذلك: فأمّا الدّهريّة فهم في ذلك صنفان: فمنهم من جحد المسخ وأقرّ بالخسف والرّيح والطّوفان، وجعل الخسف كالزّلازل، وزعم أنّه يقرّ من القذف بما كان من البرد الكبار؛ فأمّا الحجارة فإنّها لا تجيء من جهة السّماء. وقال: لست أجوّز إلّا ما اجتمعت عليه الأمّة أنّه قد يحدث في العالم. فأنكر المسخ البتّة.

١٠٠٠-[أثر البيئة]

وقال الصّنف الآخر: لا ننكر أن يفسد الهواء في ناحية من النواحي فيفسد ماؤهم وتفسد تربتهم، فيعمل ذلك في طباعهم على الأيّام، كما عمل ذلك في طباع الزّنج، وطباع الصّقالبة، وطباع بلاد يأجوج ومأجوج.

وقد رأينا العرب وكانوا أعرابا حين نزلوا خراسان، كيف انسلخوا من جميع تلك المعاني، وترى طباع بلاد الترك كيف تطبع الإبل والدّوابّ وجميع ماشيتهم: من سبع وبهيمة، على طبائعهم. وترى جراد البقول والرّياحين وديدانها خضراء، وتراها في غير الخضرة على غير ذلك [١] . وترى القملة في رأس الشابّ الأسود الشّعر سوداء، وتراها في رأس الشّيخ الأبيض الشّعر بيضاء، وتراها في رأس الأشمط شمطاء، وفي


[١] رسائل الجاحظ ١/٢٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>