أعزّ على الله تعالى من الحدأة، وأنّ الغزال أحبّ إلى الله تعالى من الذئب. فإنّما هذه أمور فرّقها الله تعالى في عيون الناس، وميّزها في طبائع العباد، فجعل بعضها بهم أقرب شبها، وجعل بعضها إنسيّا، وجعل بعضها وحشيّا، وبعضها غاذيا، وبعضها قاتلا. وكذلك الدّرّة والخرزة والتمرة والجمرة.
فلا تذهب إلى ما تريك العين واذهب إلى ما يريك العقل.
١٦٤-[الحكم الظاهر والحكم الباطن]
وللأمور حكمان: حكم ظاهر للحواس، وحكم باطن للعقول. والعقل هو الحجّة. وقد علمنا أنّ خزنة النار من الملائكة، ليسوا بدون خزنة الجنّة؛ وأنّ ملك الموت ليس بدون ملك السّحاب، وإن أتانا بالغيث وجلب الحياء «١» ؛ وجبريل الذي ينزل بالعذاب، ليس بدون ميكائيل الذي ينزل بالرحمة؛ وإنّما الاختلاف في المطيع والعاصي، وفي طبقات ذلك ومواضعه. والاختلاف بين أصحابنا أنّهم إذا استووا في المعاصي استووا في العقاب، وإذا استووا في الطاعة استووا في الثواب، وإذا استووا في عدم الطاعة والمعصية استووا في التفضل. هذا هو أصل المقالة، والقطب الذي تدور عليه الرحى.
١٦٥-[التين والزيتون]
وقد قال الله عزّ وجلّ: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ
«٢» فزعم زيد بن أسلم أنّ التّين دمشق، والزيتون فلسطين «٣» . وللغالية في هذا تأويل أرغب بالعترة عنه وذكره. وقد أخرج الله تبارك وتعالى الكلام مخرج القسم. وما تعرف دمشق إلّا بدمشق، ولا فلسطين إلّا بفلسطين. فإن كنت إنّما تقف من ذكر التين على مقدار طعم يابسه ورطبه، وعلى الاكتنان بورقه وأغصانه، والوقود بعيدانه، وأنّه نافع لصاحب السّلّ، وهو غذاء قويّ ويصلح في مواضع من الدواء، وفي الأضمدة، وأنّه ليس شيء حلو إلّا وهو ضارّ بالأسنان غيره، وأنّه عند أهل الكتاب الشّجرة التي أكل منها آدم عليه السلام، وبورقها ستر السّوءة عند نزول العقوبة، وأنّ صاحب البواسير يأكله ليزلق عنه الثفل، ويسهل عليه مخرج الزّبل؛ وتقف من الزيتون على زيته والاصطباح به، وعلى