وسمع الترجمان بن هريم عند يزيد بن عمر بن هبيرة، رجلا يقول: ما جاء الحارث ابن شريح بيوم خير قطّ. قال التّرجمان: إلا يكن جاء بيوم خير فقد جاء بيوم شرّ «١» .
٣٠٧-[سياسة الشّدّة واللّين]
وبعد فأيّ رئيس كان خيره محضا عدم الهيبة. ومن لم يعمل بإقامة جزاء السيئة والحسنة، وقتل في موضع القتل، وأحيا في موضع الإحياء. وعفا في موضع العفو، وعاقب في موضع العقوبة، ومنع ساعة المنع، وأعطى ساعة الإعطاء، خالف الرّبّ في تدبيره، وظنّ أن رحمته فوق رحمة ربه.
وقد قالوا: بعض القتل إحياء للجميع. وبعض العفو إغراء، كما أنّ بعض المنع إعطاء، ولا خير فيمن كان خيره محضا، وشرّ منه من كان شرّه صرفا، ولكن اخلط الوعد بالوعيد، والبشر بالعبوس، والإعطاء بالمنع، والحلم بالإيقاع، فإنّ الناس لا يهابون ولا يصلحون إلّا على الثّواب والعقاب، والإطماع والإخافة. ومن أخاف ولم يوقع وعرف بذلك، كان كمن أطمع ولم ينجز وعرف بذلك، ومن عرف بذلك دخل عليه بحسب ما عرف منه. فخير الخير ما كان ممزوجا، وشرّ الشرّ ما كان صرفا، ولو كان النّاس يصلحون على الخير وحده لكان الله عزّ وجلّ أولى بذلك الحكم.
وفي إطباق جميع الملوك وجميع الأئمة في جميع الأقطار وفي جميع الأعصار على استعمال المكروه والمحبوب، دليل على أنّ الصواب فيه دون غيره.
وإذا كان الناس إنما يصلحون على الشّدّة واللين، وعلى العفو والانتقام وعلى البذل والمنع، وعلى الخير والشرّ، عاد بذلك الشرّ خيرا وذلك المنع إعطاء وذلك المكروه محبوبا. وإنّما الشأن في العواقب، وفيما يدوم ولا ينقطع وفيما هو أدوم، ومن الأنقطاع أبعد.
وقال الشاعر، وهو يمدح قوما:[من البسيط]
إن يسألوا الخير يعطوه وإن جهدوا ... فالجهد يخرج منهم طيب أخبار «٢»