وأقول «١» : إنّ العالم بما فيه من الأجسام على ثلاثة أنحاء: متّفق، ومختلف، ومتضادّ؛ وكلّها في جملة القول جماد ونام. وكان حقيقة القول في الأجسام من هذه القسمة، أن يقال: نام وغير نام. ولو أنّ الحكماء وضعوا لكلّ ما ليس بنام اسما، كما وضعوا للنامي اسما، لاتبّعنا أثرهم؛ وإنما ننتهي إلى حيث انتهوا. وما أكثر ما تكون دلالة قولهم جماد، كدلالة قولهم موات. وقد يفترقان في مواضع بعض الافتراق. وإذا أخرجت من العالم الأفلاك والبروج والنجوم والشمس والقمر، وجدتها غير نامية، ولم تجدهم يسمّون شيئا منها بجماد ولا موات، وليس لأنّها تتحرّك من تلقاء أنفسها لم تسمّ مواتا ولا جمادا.
وناس يجعلونها مدبّرة غير مدبّرة، ويجعلونها مسخّرة غير مسخّرّة، ويجعلونها أحيا من الحيوان؛ إذ كان الحيوان إنّما يحيا بإحيائها له، وبما تعطيه وتعيره. وإنما هذا منهم رأي، والأمم في هذا كلّه على خلافهم، ونحن في هذا الموضع إنّما نعبّر عن لغتنا، وليس في لغتنا إلّا ما ذكرنا.
والناس يسمّون الأرض جمادا، وربّما يجعلونها مواتا إذا كانت لم تنبت قديما، وهي موات الأرض، وذلك كقولهم:«من أحيا أرضا مواتا فهي له»«٢» .
وهم لا يجعلون الماء والنار والهواء، جمادا ولا مواتا، ولا يسمّونها حيوانا ما دامت كذلك، وإن كانت لا تضاف إلى النّماء والحسّ.
والأرض هي أحد الأركان الأربعة، التي هي الماء والأرض والهواء والنار، والاسمان لا يتعاوران عندهم إلّا الأرض.
١٢-[تقسيم النامي]
ثمّ النامي على قسمين: حيوان ونبات، والحيوان على أربعة أقسام: شيء يمشي، وشيء يطير، وشيء يسبح، وشيء ينساح «٣» . إلّا أنّ كلّ طائر يمشي، وليس الذي يمشي ولا يطير يسمى طائرا. والنوع الذي يمشي على أربعة أقسام: ناس، وبهائم، وسباع، وحشرات. على أنّ الحشرات راجعة في المعنى إلى مشاكلة طباع