فليس لقدر الكلب والدّيك في أنفسهما وأثمانهما ومناظرهما ومحلّهما من صدور العامّة أسلفنا هذا الكلام، وابتدأنا بهذا القول. ولسنا نقف على أثمانهما من الفضّة والذّهب، ولا إلى أقدارهما عند الناس. وإنما نتنظّر «١» فيما وضع الله عزّ وجلّ فيهما من الدّلالة عليه، وعلى إتقان صنعه، وعلى عجيب تدبيره، وعلى لطيف حكمته، وفيما استخزنهما «٢» من عجائب المعارف، وأودعهما من غوامض الأحساس «٣» ، وسخّر لهما من عظام المنافع والمرافق، ودلّ بهما على أنّ الذي ألبسهما ذلك التّدبير، وأودعهما تلك الحكم، يجبّ أن يفكّر فيهما؛ ويعتبر بهما، ويسبّح الله عزّ وجلّ عندهما. فغشّى ظاهرهما بالبرهان، وعمّ باطنهما بالحكم، وهيّج على النظر فيهما والاعتبار بهما؛ ليعلم كلّ ذي عقل أنّه لم يخلق الخلق سدى؛ ولم يترك الصّور هملا؛ وليعلموا أنّ الله عزّ وجلّ لم يدع شيئا غفلا «٤» غير موسوم، ونثرا غير منظوم، وسدى غير محفوظ؛ وأنّه لا يخطئه من عجيب تقديره، ولا يعطله من حلي تدبيره، ولا من زينة الحكم وجلال قدرة البرهان.
ثمّ عمّ ذلك بين الصّؤابة «٥» والفراشة، إلى الأفلاك السبعة وما دونها من الأقاليم السبعة.
٣٢١-[تأويل قوله تعالى: ويخلق ما لا تعلمون]
وقد قال تعالى: وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ
«٦» . وقد يتّجه هذا الكلام في وجوه:
أحدها أن تكون ها هنا ضروب من الخلق لا يعلم بمكانهم كثير من الناس، ولا بدّ أن يعرف ذلك الخلق معنى نفسه، أو يعلمه صفوة جنود الله وملائكته، أو تعرفه الأنبياء، أو يعرفه بعض الناس، لا يجوز إلّا ذلك. أو يكون الله عزّ وجلّ إنما عنى أنّه خلق أسبابا، ووهب عللا، وجعل ذلك رفدا لما يظهر لنا ونظاما.
وكان بعض المفسّرين يقول: من أراد أن يعرف معنى قوله: وَيَخْلُقُ ما لا