وكان أبو إسحاق يتعجب من قولهم: النار يابسة. قال: أما قولهم: الماء رطب، فيصح؛ لأنا نراه سيّالا. وإذا قال الأرض يابسة، فإنما يريد التراب المتهافت فقط. فإن لم يرد إلا بدن الأرض الملازم بعضه لبعض؛ لما فيها من اللّدونة فقط، فقد أخطأ، لأن أجزاء الأرض مخالطة لأجزاء الماء، فامتنعت من التهافت على أقدار ذلك.
ومتى حفرنا ودخلنا في عمق الأرض، وجدنا الأرض طينا؛ بل لا تزال تجد الطين أرطب حتى تصير إلى الماء. والأرض اليوم كلها أرض وماء، والماء ماء وأرض، وإنما يلزمها من الاسم على قدر الكثرة والقلة. فأما النار فليست بيابسة البدن. ولو كانت يابسة البدن لتهافتت تهافت التراب، ولتبرّأ بعضها من بعض. كما أن الماء لما كان رطبا كان سيّالا.
ولكن القوم لما وجدوا النار تستخرج كل شيء في العود من النار فظهرت الرطوبات لذلك السبب، ووجدوا العود تتميز أخلاطه عند خروج نيرانه التي كانت إحدى مراتعها من التمييز فوجدوا العود قد صار رمادا يابسا متهافتا- ظنوا أن يبسه إنما هو مما أعطته النار وولّدت فيه.
والنار لم تعطه شيئا، ولكن نار العود لما فارقت رطوبات العود، ظهرت تلك الرطوبات الكامنة والمانعة، فبقي من العود الجزء الذي هو الرماد، وهو جزء الأرض وجوهرها؛ لأن العود فيه جزء أرضيّ، وجزء مائيّ، وجزء ناريّ، وجزء هوائيّ، فلما خرجت النار واعتزلت الرطوبة بقي الجزء الأرضيّ.
فقولهم: النار يابسة، غلط، وإنما ذهبوا إلى ما تراه العيون، ولم يغوصوا على مغيّبات العلل.
وكان يقول: ليس القوم في طريق خلّص المتكلمين، ولا في طريق الجهابذة المتقدّمين.
١٢٧٦-[علاقة الذكاء بالجنس]
وكان يقول: إنّ الأمّة التي لم تنضجها الأرحام [١] ، ويخالفون في ألوان أبدانهم،
[١] أراد بذلك سكان الإقليم السادس والسابع في التقسيم البلداني القديم، وهم من الجنس الأبيض.-