للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا تكوني يا ابنة الأشمّ ... ورقاء دمّى ذئبها المدمّي

وقال الفرزدق [١] : [من الطويل]

وكنت كذئب السّوء لمّا رأى دما ... بصاحبه يوما أحال على الدّم

نعم حتّى ربما أقبلا على الإنسان إقبالا واحدا، وهما سواء على عداوته والجزم على أكله، فإذا أدمي أحدهما وثب على صاحبه المدمى فمزّقه وأكله، وترك الإنسان وإن كان أحدهما قد أدماه [٢] .

ولا أعلم في الأرض خلقا ألأم من هذا الخلق، ولا شرّا منه، ويحدث عند رؤيته الدّم له في صاحبه الطمع، ويحدث له في ذلك الطمع فضل قوة، ويحدث للمدمّى جبن وخوف، ويحدث عنهما ضعف واستخذاء [٣] ، فإذا تهيأ ذلك منهما لم يكن دون أكله شيء. والله أعلم حيث لم يعط الذئب قوة الأسد، ولم يعط الأسد جبن الذئب الهارب بما يرى في أثر الدم من الضعف. مثل ما يعتري الهر والهرة بعد الفراغ من السّفاد، فإن الهر قبل أن يفرغ من سفاد الهرة أقوى منها كثيرا، فإذا سفدها ولّى عنها هاربا واتبعته طالبة له، فإنها في تلك الحال إن لحقته كانت أقوى منه كثيرا.

فلذلك يقطع الأرض في الهرب، وربّما رمى بنفسه من حالق. وهذا شيء لا يعدمانه في تلك الحال.

ولم أرهم يقفون على حدّ العلة في ذلك. وهذا باب سيقع في موضعه من القول في الذئب تامّا، بما فيه من الرّواية وغير ذلك.

١٨٣٤-[الذيخ والثيتل والغفر]

وأمّا قوله:

٥- «من خلقه في رزقه كلّهم ... الذّيخ والثّيتل والغفر

الذّيخ: ذكر الضّبع. والثّيتل شبيه بالوعل، وهو ممّا يسكن في رؤوس الجبال، ولا يكون في القرى. وكذلك الأوعال. وليس لها حضر [٤] ولا عمل محمود على البسيط، وكذلك ليس للظباء حضر ولا عمل محمود في رؤوس الجبال.


[١] ديوان الفرزدق ٢/١٨٧ (صادر) ، ٧٤٩ (الصاوي) وتقدم في ٥/١٧١.
[٢] ورد مثل هذا القول في ربيع الأبرار ٥/٤١٧.
[٣] الاستخذاء: الخضوع.
[٤] الحضر الارتفاع في العدو.

<<  <  ج: ص:  >  >>